(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Thursday, 28 January 2016 04:50

من أصداء ثورة المليون

Written by  الأستاذة خناثة قوادري
Rate this item
(0 votes)

و يَشمَخُ برأسه عاليًا، كلَّما ذكرهم، أولئك الفاتحون الأوائل، المؤيَّدون بعزٍّ و نصر من الله.

يتوقَّف قليلًا في السرد، يأخذ نفَسًا مقتطعًا، ليردِّد على الأسماع:

لقد شرَّف الله آباءنا بنصرتهم للحقِّ، سمَّاهم التاريخ أشرافًا؛ لأنَّهم ما خذَلوا الفاتحين، بل انضووا تحت لوائهم، آمَنوا بالحقِّ و انصاعوا له مذعِنين.

و يسترسل مع الأحداث، و قد امتلأ هو و سامعوه غبطة و كبرياء، فهم ذريَّة الأحرار، و أنصار الحقِّ، على أرض الإسلام الطاهرة.

كلُّ بقعةٍ فيكَ أيها الوطن العربي الإسلامي هي أرضي، لي بها ألفُ حكاية و حكاية، و كلُّ مسلمٍ و عربيٍّ سكناه في القلب و بين الحنايا، نتشارك الجينات، و نتقاسم الآه و الابتسامة.

أيها التاريخ، قم فاسرد حكايتَنا على الأسماع، لا تُبقِها يا سيدي حبيسةَ الكتب و الرفوف، نريد أن يَسمعها الكلُّ، يعيها أبناءُ الأحرار؛ ليقدِّسوا الحقَّ، و يعيشوا به أحرارًا.

يجول بناظرَيه فيمَن حوله، تَرتسم على وجهه الابتسامة، و هو يسرد قصَّةَ ذاك القائد الفرنسي، الذي زَعم أنَّه جاء ليؤدِّب حثالةً من الرعاع!

كان الواقفَ وحده على عرش إبليس، يرعد و يزبد، و أعوانُه من الحَرْكى[1]إلى جانبه.

تطاير الشرر من عيون الجالسين!

وجوههم الواجِمة تَبعث برسائل ناريَّة مشفَّرة، لم يتعلَّم ذاك الفرنسيُّ فكَّ رموزها، إلَّا حين انفجار قافلته العسكريَّة في المدخل الشمالي للمدينة، بعد استعراضِ العضلاتِ ذاك بأيامٍ قلائل.

فقرار الأحرار - أو من سمَّاهم الرعاع - كان موغلًا في البيان و التأديب.

و قد ردَّد شاعرُهم حينها ما تَرجمته:

يا (توا)[2] يا شيخ جهنم

أيُّ قدَر هَزَأَ بك

و أيُّ ريح عبثَت

فألقيا بك في

طريق الأقوياء!

آه، كم يمقتهم، الخنازير.. هكذا يسميهم.

نسيجهم ظلَّ واهنًا ها هنا، و صليبهم عاد أدراجَه منكَّسًا خائبًا.

تطلَّع إلى السائل، تنَحنح.. أشرق وجهه من جديد؛ ففي قناعته و موروث آبائه: العروبة شرفٌ و عزٌّ و كبرياء، ليست بنَسب، بل بحرارة دمٍ و إباء، هي وهج الإسلام و مادته.

و في تقاليد بيئته: عربيٌّ و مسلم وجهان لعملةٍ ثمينة هي عند الله؛ "أكرمكم".

كلنا ها هنا واحد، نَسيجنا حبكَتْه الأقدار، و باركَته يد الرحمن!

قالها بصوت شجي..

هو يدرك أنَّها طوق مجدٍ في جيدك، يا أرض الإسلام الغالية.

مسَحَ العرقَ عن جبينه.. فأرضُ آبائه تَشهد، و كلُّ خندق فيها حفَرَته السواعدُ المجدَّة، ليكون حرزًا لمؤن وذخائر المجاهدين، و حتى الطُّرقات المتعرجة لمداخل المدينة و مخارجها الجبليَّة الوعرة كلها أدلَّة كافية لتَهجير عشيرته، و بقائه مطاردًا حتى الاستقلال.

آهٍ.. كم كنتَ عزيزًا يا وطني، و أنتَ تصدُّ الهجومَ تلو الهجوم!

تدافِع عن حياض أمَّتك، عن عزِّها و شرفها.

حين غرد الرصاص على أرضك، كنتَ سجينًا مغتصبًا حبيسًا يا وطني، تَرنو بعين

كالِحَة إلى شُطآن و صحاري و وهاد أمَّتك المجيدة، التي ما خذلَتك.

يا وطني..

يا روعةَ الأجدادِ في الأحفادِ[3]

ففي كلِّ حين ثورة، و الأرض عطشى، قم روِّها بدمِك يا.. شهيد!

حتى صخورك زغردَت، أجَل يا وطني، سمعتُها مع كلِّ طلقة بارود!

كانت كلماته الواثِقة قويَّة كرصاص الثوَّار، تجري في عروق منصتيه، تفور كدمائهم، لتتعالى صيحاتُهم: يحيا الوطن.

يحفظ كلَّ المواقع؛ أسماءها، تاريخها، يعرف ساحاتها!

كان للحبِّ مرفأ، وللوطن مربعًا، حلقه كسلسبيل تَنتعش به القلوب.

لكنَّه سكت فجأة.

رحَل كما يَرحل كل الرائعين.

هديل الحمائم سكَت أيضًا!

لم يعاتب أحدًا، لم يَنتظر جزاءً من أحد، عاش حرًّا و مات مبتسمًا.

مغمورًا يرجو الإخلاصَ و لا يزيد.



[1] الحركى: (بفتح الحاء و تسكين الراء)، مفردها (حركي)؛ و تعني: عميلًا باللهجة الجزائرية.

[2] (توا): هو اسم القائد الفرنسي باللَّهجة المحلية.

[3] البيت الشعري للشاعر السوري "سليمان العيسى"، من قصيدته في: "زيغود يوسف".



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/96717/#ixzz3yVXzIosa

Read 1888 times Last modified on Friday, 29 January 2016 01:49