من لا تاريخ له لا حاضر له، هذهِ مقولة نؤمن بها أشدّ الإيمان، فالتاريخ دوماً هو الحافز الدافع للإنسان أن يتقدّم ويُحرز شيئاً، و لا أدلّ على ذلك من قصّة الإسلام التي ما زالَ المسلمون حتّى اليوم يطمحون للأعالي و للقمّة ، لأنَّ لهُم تاريخاً يدفعهم نحو المجد الذي تربّعوا على عرشه يوماً ما، حيث كانت لهُم الدُنيا طائعة و الملوك صاغرة، و التاريخ البشريّ بشكل عامّ هو علم تخصّص به الدارسون و أفردوا لهُ جانباً عظيماً من الاهتمام، و سنقف في هذا المقال على أبرز وجوه هذا العلم و الأهميّة التي يضطلع بها عِلم التاريخ.
علم التاريخ
لا شكّ أنَّ علم التاريخ كباقي العلوم يستند على حقائق علميّة ثابتة من خلال الأدلّة المرويّة عن المكان و الإنسان، و من خلال الأدلّة المُشاهدة الماثلة للعيان والتي أخرجها للضوء علم الآثار بتنقيباته و حفرياته، و علم التاريخ يقوم بتأصيل الأحداث و الوقائع الهامّة التي مرّت على الأرض سواءً قبل الحياة البشريّة، و كذلك الأحداث التي جرَت بسبب الإنسان و هوَ ما يُعرف بالتاريخ البشريّ أو التاريخ الإنسانيّ.
أهمّيّة علم التاريخ
• يُعطي علم التاريخ تصوّراً دقيقاً و واضحاً عن العالم القديم، و التجارب التي مرَّ بها الإنسان، و بالتالي تكون هذهِ الدراسة باباً من تجنّب ما وقعَ بهِ الأقدمون من الأخطاء و التي جرّت عليهم الويلات و الدمار.
• علم التاريخ هو دروس ماضية تُفيدنا للتخطيط المستقبليّ، فعند معرفة سيرة الحضارات السابقة و كيف قامت و ما هيَ عوامل ازدهارها و نهضتها و ما هيَ أسباب دمارها و زوالها فإنّنا بلا شكّ نختصر على أنفسنا العديد من التجارب و نتحاشى الخطأ السابق و نمضي قُدُماً نحوَ ما أراهُ التاريخ لنا مُناسباً.
• علم التاريخ يجعل الإنسان مُتّصلاً بأجداده و أصوله التي هوَ امتدادٌ لها، و التاريخ الإسلاميّ مثال على ذلك، فنقف عند دراسته على سيرة النبيّ المُصطفى عليه الصلاة و السلام التي هيَ جُزءٌ عظيم من دراسة التاريخ الإسلاميّ و هي السيرة النبويّة، حيث يكون في تدوين هذا التاريخ معرفة لحياة النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و معرفة الأحداث و الغزوات التي وقعت على زمن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، و كذلك من خلال تأريخ الحقبة النبوية الشريفة نقف من ذلك على مصدر أساسيّ من مصادر التشريع الإسلاميّ، و هي الحديث النبويّ الشريف الذي هوَ عبارة عن الأقوال و الأفعال التي فعلها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أو أقرّ غيرهُ عليها.
• علم التاريخ يُنصف الأمم، و يحفظ التراث للأمم فكثيرمن التراث الذي تتميّز به الدول هوَ بسبب حفظ التاريخ لهُ و إبرازه بالشكل المميّز لتلك الدولة.
• يساعد على معرفة ما كان من شأن الأمم البائدة بشكل عام؛ حيث يفيد هذا الأمر في معرفة الطريقة التي تقدّم بها الإنسان، و الذي نتج أساساً عن تقدّم العقل البشري و ما صاحبه من تقدم في النظريات، و الفلسفات، و العلوم، و الأفكار المختلفة، إلى أن وصلت كلها إلى ما وصلت إليه اليوم من تطور كبير، فأفكار اليوم ليست كالأفكار في القرون الوسطى.
• يؤدّي التعمق فيه إلى إدراك الكيفية التي تنهض بها الأمم و الحضارات المختلفة، و إلى إدراك العوامل التي تسرّع من أفول هذه الحضارات، و ربما تكون أهم أسباب الأفول الحضاري الابتعاد عن الأفكار المؤسسة لحضارة معينة، ففي بداية نشأة الحضارة يكون التمركز كبيراً جداً حول أفكارها المؤسسة، أو حول الشخص المؤسس، و بعد مضي فترة عليها يبدأ الأفراد بالتمرّد شيئاً فشيئاً، و تبدأ الأطماع البشريّة بالتسلل إلى النفوس، إلى أن تدبّ النزاعات، و تسيطر الخلافات، و يصبح كلّ امرئ معنياً بنفسه و مطامعه فقط، فتأتي حضارة أخرى فتحل محلها، و هكذا في المجمل.
• يعلم الناس في الزمن الراهن ما ينفعهم من أجل استدامة نوعهم، و أفكارهم، و علومهم، و حضاراتهم؛ فالناس مرتبطون بشكلٍ أو بآخر بالتاريخ، و إن حاولنا التعمّق في بعض الحضارات نجد أنّ التاريخ له أهميّة عظيمة في راهن أبنائها، ذلك أنّهم يعتمدون على القدماء بكلّ صغيرة و كبيرة كما يحصل في الحضارات ذات النزعة الدينيّة و على وجه التحديد الحضارات المبنية على الأديان التوحيدية، فالنصوص الدينية تبدأ بالكتاب السماوية، و تأخذ بالتطور شيئاً فشيئاً إلى أن يصير تراثاً كاملاً متكاملاً يتضمن العديد من المجلدات و المؤلفات الضخمة و الكبيرة.
• قدّم التاريخ نماذج حية للناجحين، فالتاريخ طافح بالنماذج الإيجابية التي يمكن أن يرى الإنسان بها نفسه في أي زمان و مكان، فالتاريخ فيه معلومات عن الأنبياء، و الرسل، و أتباع الدين الحق، و من أحاطوا بالرسل، و العلماء، و المفكّرين، و المبدعين من الفنانين و غيرهم، و الفلاسفة، و الحكماء، و غيرهم، فكلّ هؤلاء استطاعوا إضافة الشيء الكثير للتاريخ، و الإنسانية.