(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 30 آذار/مارس 2014 11:06

إن الأرض لا تقدّس أحدا

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(1 تصويت)

خرج سلمان الفارسي من المدائن أميرا ، و عاد إليها أميرا، و امتدت رحلته الطويلة المضنية ، ما بين العزّ و الجاه و النفوذ، و ما بين العبودية المرهقة، و من الشرك و الضلال، إلى الهدى و الرشاد، و اجتمعت له الدنيا حرّا فعافها بحثا عن الحق و النور،و أتته الإمارة راغمة فازدرى بهرجها و مغرياتها ، فأي رجل انت يا سلمان الفارسي؟
  [سلمان الفارسي] قرّة عين والده الحاني، أحبه إلى درجة أنّه لم يكن يسمح له بمغادرة المنزل خوفا عليه من كل شيء و أي شيء، و لم يكن ذلك الولد كما لم يكن أبوه يتوقعان ان الأيام المقبلة، ستفرقهما فراق الأبد، و لكن الله يريد لذلك الإبن شيئا ، غير ما اراده أبوه ، في ليلة اضطرّ فيها الأب إلى إرسال ولده في مهمة خارج أسوار ضياعه و قصوره المترامية الاطراف، و تسوق سلمان قدماه إلى  كنيسة فيها قوم يصلّون، و يعجب الشاب بصلاتهم ويعود إلى أبيه و يخبره بما رأى، و يخشى الأب أن يفارق ولده دين المجوس ،و عبادة النّار المقدّسة فيقيدة في المنزل، و يتمكن سلمان من كسر قيده، و ينظر في كل اتجاه من القصر، فيرى المال الوفير، و الظل الظليل ، و الغنى الفاحش ، و التدليل المتناهي ، و لكنه  يسمع في قلبه صوتا أقوى من صوت الرفاهية ، و يحس في نفسه كراهية تامة لهذه القيود الحريرية ، التي يمثلها الجاه و السلطان و الذهب ،و يصبو إلى حرّية الروح ، و معرفة الحق ، و الدين الحق، لقد حدثته نفسه كما حدّثه قلبه أن النار لم و لن تكون إلها ، و أي إله هذا الذي إذا لم توقد نوره بيدك فإنّه ينطفيء و يخبو ، و أ ي ربّ هذا الذي يهدر و يتطاير شرره في كل اتجاه ، و هكذا فرّ سلمان الفارسي الى الكنيسة ، و طلب من الكاهن فيها أن يدله على اصل ديانته، و يدلّه الكاهن على الشام ، و يرشده الى كاهن يقيم فيها ‘ و يلتحق  سلمان بأوّل قافلة راحلة باتجاه البلد الذي طارت إليه روحه،وهفا اليه قلبه ، و يصل وجهته التي طالما تمنى الوصول إليها ، و يتعرف على ذلك الراهب الذي ارتحل إليه و هو يظنه ورعا تقيا ندي القلب ، كتلك الترانيم التي سمعها ذات ليلة فجعلته يطوي القفار ، لأجل أن يكون من أهلها ، و لكن قدره يوقعه في يد من ليس بأهل للإتباع ، فالراهب الذي قصده كان مثل سوء لمن إئتمنه اتباعه على صدقاتهم و هباتهم، التي استولى عليها و منعها ممن قدمت لأجلهم ، و سلمان يرى الظلم ول ا يرضاه ، و لكن أنى له الإعتراض على رجل الرب الذي يقدسه أتباعه و يرونه مثالا للزهد والورع.

و يهلك الرجل بعد حين و يدل سلمان الناس على مكان أمواله التي ادّخرها خلسة من قومه ، فيغضبون اشدّ الغضب لتلك السنين التي أمضوها في خديعة من كاهنهم، فيأبون أن يدفنوه و يصلبونه و يرجمونه.و يحلّ محله راهب آخر  زاهد صالح عابد ، يحنو على سلمان و يقوم على أمر رعيته ، و تحضره الوفاة فيوصي سلمان باللّحاق براهب صالح في الموصل ، و يظل سلمان يرتحل في أصقاع الارض حتى يصل الى عمورية ، و هناك يوصيه الرّاهب الذي يخدمه بأن يرتحل إلى  بلاد العرب ، مبشرا إياه بقرب مبعث نبي من العرب في أرض العرب ، و ان يثرب مهاجره، و يرتحل سلمان  قاصدا تلك البلاد التي تعطرها نسائم النبوة المنتظرة ، و يعدو عليه قطاع الطريق فيبيعونه لتاجر يهودي  ، يحمله إلى يثرب، فيغدو عبدا رقيقا بعد عز و إمارة و حرية ،و لكن روحه تأنس لنخيل يثرب ، و تألف فضاءها الرحيب ، و هو يرى فيها تلك الملامح التي حدّثه بها راهب عمورية الصالح، فيرجو أن يكون من أتباع ذلك النبي المنتظر
و تشغل قيود العبودية القسريّة سلمان عن متابعة احداث مكة ، و مبعث الرسول صلى الله عليه و سلم فيها  حتى هاجر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه إلى المدينة المنوّرة ، و يسمع سلمان بالنبأ الذي طالما انتظره ، و يتذكر تلك العلامة التي أخبره بها راهب عمورية، [نبي يأكل الهدية ول ا يأكل الصدقة] فيأخذ شيئا من طعام كان عنده و يقصد  ذلك الرجل الذي تمنى رؤيته سنين طوال، و يدنو سلمان الأمير الأسير المسترقّ ، من النبي الذي بعث برسالة الحق و الحرية ، و يقدم له الطعام الذي يحمله قائلا:بلغني أنك رجل صالح و أن معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، و هذا شيء جمعته للصدقة ، و يعطي النبي صلى الله عليه و سلم الطعام لأصحابه و لا يتناول منه شيئا ، و يقول سلمان في نفسه هذه واحدة.
و تتجاذبه عاطفته لهذا الرجل و أمانيه في أن يكون هو النبي الذي يرجو ، فيمد له يده بطعام آخر قائلا: إني رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها، و تكون العلامة الثانية للنبي الذي أخبره بها الراهب الصالح ، و يبقى خاتم النبوة بين كتفي الرسول فكيف سيراه سلمان ، و يقدم عليه مرة أخرى  ، و قد انصرف صلى الله عليه و سلم من جنازة لاحد أصحابه و يرى سلمان يحاول النظر الى موضع خاتم النبوة، فيلقي الرداء عن ظهره ، و تكون الثالثة و ينكب سلمان على رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبله ويبكي، و يقص على النبي صلى الله عليه و سلم قصة البحث ، و رحلة الروح الظمأى للحق ، و يشهد ان لا إله الا الله و أن محمدا رسول الله.
و يأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يكاتب سيده اليهودي من أجل حريته ، فيكاتبه على ثلاثمائة نخلة يحييها ، و أربعين اوقية من ذهب، و الرسول الحاني المحب لأتباعه فقيرهم و غنيهم ، حرهم و عبدهم ، صغيرهم و كبيرهم ، ذكرهم و أنثاهم،ل ا تشغله عن سلمان و حالته شاغلة ، يأتيه سلمان بغصون النخل التي أمدها به إخوته مسلمو المدينة ، فيقول له الرسول صلى الله عليه و سلم : [إذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي] و يعطيه صلى الله عليه و سلم قطعة من الذهب لكي يدفعها لليهودي الذي يملكه و يبارك الله تعالى في فسائل النخل فتحيا جميعها ، و في قطعة الذهب الصغيره ، فتزيد على الاربعين اوقية ، فيشتري سلمان بها حريته الغالية تلك التي فقدها بجور الجاهلية  ،و استردها بعدل الاسلام.
و يحتجّ المسلمون في سلمان الفارسي ، فيرى الأنصار انتسابه إليهم و يحب المهاجرون انتسابه اليهم ، و يحسم الرسول صلى الله عليه و سلم الموقف قائلا:{سلمان منّا أهل البيت }في إشراقة نبوية لطيفة ، فسلمان نزع رداء الجاه العريض ، و رمى خلف ظهره أكداس المال ، و واسع الضياع  ، في رحلة تضحية قل نظيرها عن المعبود الحق و الدين الحق، فاستحق الوسام الرفيع بالانتساب إلى بيت نبي الله صلى الله عليه و سلم.
و سلمان فقيه عالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلقد آخى بينه و بين أبي الدرداء رضي الله عنهما، فزار سلمان أخاه فقرب لهما الطعام ، فقال ابو الدرداء إني صائم، فقال سلمان ما انا بآكل حتى تأكل فاكل، و لماكان الليل قام ابو الدرداء ليصلي فقال له سلمان نم، فنام، فلما كان من آخر الليل قال له سلمان :قم الآن ، فقاما فصليا، و قال له:إن لنفسك عليك حقا، و لربك عليك حقا، و إن لضيفك عليك حقا، و إن لأهلك عليك حقّا، فأعط لكل ذي حق حقه، و أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرا له ذلك فقال:صدق سلمان و في رواية أن ابا الدرداء كان يصوم يوم الجمعة و يقوم ليلتها، فأمر سلمان أبا الدرداء أن يفطر يوم الجمعة، و ذكرا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال:عويمر! سلمان اعلم منك، عويمر! سلمان اعلم منك،عويمر! سلمان أعلم منك،ل ا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي و لا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الايام ]
و يعود سلمان مع جيش الفتوح الاسلامية الى المدائن، و قد عينه الخليفة الفاروق أميرا عليها، و لم يبحث سلمان عن القصور التي كانت له ذات يوم، و لم يستولي لنفسه على ضياع كانت ذات يوم ملاعب صباه، و ملك أبيه، و لم ينتظر من الغمارة الجديدة أن تدر عليه لبنا و عسلا ، بل كلت يداه و هو أمير المدائن ، من عمل الخوص ، كي يحصل رزقه ، و لم تبرر له نفسه الزكية ، و قد ارتقى بها الإسلام إلى أعلى درجات النقاء، أن يمد يده إلى مال كان له ذات يوم ، فقد استعلى على الدنيا و هو شاب غرير، يفرح قلبه لزهرتها و تستخفه مباهجها ، و حلّق بعيدا عن قيودها بأجنحة الحرية الكريمة و العقيدة السليمة ،و الفهم الدقيق لاحكام الشرع ، فصار ينبوع حكمة و مصدر هدي للأمة إلى يوم الدين
و يشتاق إليه أخوه أبو الدرداء و هو في بلاد الشام و سلمان في العراق، فيرسل الى سلمان قائلا:هلم إلى الارض المقدّسة، فيكتب إليه سلمان قائلا :{إن الأرض لا تقدّس أحدا و إنما يقدّس الانسان عمله }
و تحضره الوفاة و قد عمّر طويلا في طاعة و ورع، و يجتمع إليه إخوانه الذين أحبهم في الله و يبكي سلمان ، فيقول له أصحابه ما يبكيك فيقول سلمان الورع كعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ،قال :{ليكن بلاغ احدكم كزاد الراكب }و ينظر الأصحاب حولهم فلا يرون من حطام الدنيا شيئا الا ما يقوّم بعشرين درهما!!!

متاع بعشرين درهم يرعبك أن تلقى الله بها يا سلمان ؟ و أنت أمير المدائن!! عشرين درهما تبكيك عند موتك مخافة ان تحاسب عنها ؟،  ألا فلتفخري أيتها الأرض أنّ قدما سلمان الورع البارّ الطاهر الخاشع ،قد مرّت يوما فوق ترابك ، و لتبقي أيتها الامّة شامخة عليّة ظاهرة على عدوك ، ما دامت فيك سيرة هؤلاء الاطهارقدوة و منارا.
{اللهمّ صلي و سلم على نبيك و آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين }

قراءة 2023 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 تموز/يوليو 2015 17:31