(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 08 كانون2/يناير 2023 11:54

لماذا أكتب عن نجيبة؟ 3

كتبه  الأستاذ ماهر باكير دلاش من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أخرس شعورها كان يريد البوح بكل ما فيه.. تريد أن تصرخ بأعلى صوتها، و لكنها
تقف عاجزة لأنها لا تملك صوتًا غير الذي بداخلها، الذي لا تسمعه أذناها، و لكن قلبها يدرِكه، الذي مَلَأ أعماقها بالضجيج.. ساجدة ليلا لربها، متفانية لأولادها نهارا، هكذا كانت حياتها. و لكنها في بعض الأحيان كان يلزمها هدنة مع نفسها لترتاح و لو قليلاً من ذكريات الماضي و صراع الحاضر، و التفكير بالمستقبل.. و مع ذلك لم تكن تكل و لا تمل، و لم تعمد الى الشكوى لأحد سوى خالقها.
من بين خمسة أطفال في بيت نجيبة الهودلي، كنت بكرها.. لم تفرق يوما بين أحدنا و الآخر، و لكن كانت دوما ما تحتاج هدنة لكي تتوقف عن لوم نفسها، بأنها هي السبب في كل شيء.. مرضنا، فقرنا...كل شيء، كل شيء!
 مخلصة أمي، قضت عمرها بإخلاص في تربيتنا، ثم غدرت بنا برحيلها الأبدي.. أيها العالم أكبر فيها هذا الغدر، فعزائي أنها عادت لربها، عل العقل يتوقف عن شتم القلب لفرط حنينه..
لطالما أعدت قراءة أمي بخشوع كنص لا يفقد قداسته.. كانت امرأة تتشكل حسب الموقف، و حسب الواقع، امرأة مرهفة الاحساس تارة، و تارة حازمة كامرأة حديدية.. دوما باسقة شامخة كشجرة لا تهزها ريح.
و أنا.. يا أنا، بعد رحيلها أصبحت ‏ الأسى المعتّق في قبو دواخلها المشمس، و خيط الطفولة الذي يلتفُ حول منارة صوتها..
كانت الابتسامة التي لا تكاد أن تُلمح.. أمست قصيدتي.. بل كل قصائدي!
كان وجودها سبباً كافياً، يجعلني أعلم أن للحياة وجهٌ آخر يستحق كل هذا الركض.. و الحب.. لم تحتاج نجيبة أن تكون مُبهِرة.
الكثير ظنوا أنها امرأة عادية، و لكن حتى كانت عاديّتها تدهش.. غرقت بعاديتها، تاركة لهم عبء الدهشة؟!
أمي نجيبة:
لم يقدر لها أن تتعلم القراءة و الكتابة، و لكنها كانت تتمتع بذكاء متوقد، و عقل متيقظ، و قلب كبير. كانت تعالج النساء بفطرتها، و تزرع الأمل في محيطها كما تزرع الشجر المثمر.. ربت اطفاها على الفضيلة، و علمت محيطها كيف يكون العطاء بلا انتظار لمدح أو رد.
لا تسعفني اللغة، و لا تكفيني الحروف لأصفها، و لا حتى ذكر بعض فضائلها.. لكنها كانت تأخُذ الوردَ شَهيقا و تُخرج العطر زفيراً.. لست أدري أكانت تتنفس الجَمال؟


‏ زَانَتْ حُرُوفُ قصيِدَتِيَ، وَرَدَة


عَبَقُ الرَّوَائِحِ مِنْهَا بَلْسَمُ


الْيَاسَمِيِنُ يَبْكِي إذ غَابَتْ


وَ الزَّهْرُ وَ الْأوْرَاقُ وَ الْمَيْسَمُ


فَمَا رَأَتْ الْعَيْنُ قَمَرَاً سِوَاها


وَ لَا لَاحَ الصُّبْحُ بِجَمالٍ أَعْظَمُ


بَاءَتْ بِفَضَائِل جَمَّةٍ وَ


وَ الْحُسْنُ مِنْ وَجْهِهَا نَغمُ


جَمَعْتُ قَوَاعِدَ اللُّغَةِ فِيهَا


طَغَتْ عَلَى الْقَوَاعِدِ الشِّيَمُ

قراءة 602 مرات آخر تعديل على السبت, 14 كانون2/يناير 2023 17:43