قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Sunday, 18 August 2024 07:40

ملامح الثلث الأخير من خير القرون

Written by  الأستاذ أحمد الظرافي
Rate this item
(0 votes)

إن فترة الثلث الأخير من خير القرون و هو القرن الأول الهجري، تشبه في بعض جوانبها، تلك الفترة التي تلت نهاية حروب الردة و استقرار خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم، ففي الثلث الأخير من القرن الأول الهجري، استقر أمر بني أمية (الفرع المرواني) في الشام، و دانت الأمصار الثائرة لهم بالطاعة، فانتهت ثورة ابن الزبير، في الحجاز (64- 73هـ)، و كُسرت شوكة الخوارج في فارس و كِرْمان، و سكنت العاصفة الهوجاء، التي أثارها، ابن الأشعث في العراق (81 -82هـ)، و عم فيها السلام، و الاستقرار السياسي، جميع بلاد الإسلام، و سكّت النقود العربية الإسلامية، و تم دمغها بشهادة التوحيد، و شعارات الرسالة المحمدية (74-77هـ)، وإبعادها عن الدوران في فلك النقد البيزنطي، أو الارتباط بأسعاره أو أوزانه أو عياره، و كذلك عرّبت فيه الدواوين، هذه الأخيرة التي كانت قبل ذلك بالفارسية في العراق، و بالرومية في الشام، و بالقبطية في مصر، و  صبغت الإدارة بالصبغة العربية، مع تمكين العرب المسلمين، من الإشراف على الإدارة المالية إشرافًا تامًا، و ذلك في إطار سياسة[1] رسمها الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان (65-86هـ)، المؤسس الثاني، للدولة الأموية، و الموصوف بالدهاء و الرزانة و الحكمة، و الفصاحة و الفقه، فضلا عن قوة العزيمة، و ثبات النفس، و شدة البأس، و الذي انتقل العرب، في عهده من غضاضة البداوة، إلى رونق الحضارة، و من سذاجة الأمية، إلى حذق الكتابة، و من التنازع و الفرقة، إلى التآلف و الوحدة، ناهيك عن: التحول الذي انتقل ببنية السلطة، من هيكل القبيلة، إلى هيكل الدولة، و ما صحب ذلك، و تبعه من تغيرات اقتصادية و اجتماعية و سياسية. و هي تغيرات انتقلت بالتراتب الاجتماعي البسيط، إلى تراتب اجتماع أكثر تعقيدا و تركيبا، خصوصا في البعد المقترن، بالتقاليد الجديدة، التي استوعبت ميراث الإمبراطوريات القديمة و تصاعدت بها، في سلم السلطة، و اللباقة، و الأساليب، و الأعراف[2]. و كان ما قام به هذا الخليفة الإصلاحي العتيد "عبد الملك بن مروان"، من أعمال إصلاحية، و من إخماد للفتن و الثورات، و إجهاض لنيران العصبيات، من أهم العوامل في إعادة الوحدة لصفوف الأمة، و من ثم استئناف الفتوحات، في الشرق و الغرب، و كذا على الجبهة البيزنطية.

وهي الفتوحات، التي كانت قد توقفت لعدة سنوات، كانت الخلافة منصرفة خلالها إلى مواجهة أزماتها الداخلية، و بالتالي عودة حركة الجهاد، شبيهة بأيام الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و ذلك في أواخر عهد عبد الملك، و استمرار هذه الحركة الجهادية الرائعة بزخمها القوي، طوال عهدي خلافة ولديه الوليد وسليمان، و هي الفترة، التي تم خلالها إضافة مساحات واسعة للدولة الإسلامية في البر و البحر شرقا و غربا و شمالا و جنوبا، و اعتنق الإسلام خلالها، العديد من الشعوب و السلالات و الألسن، و تألق فيها عدد من القواد الكبار، من صانعي الانتصارات المجيدة، الذين كرّسوا حياتهم للجهاد، و عرفتهم الجبهات، كأعظم القادة الفاتحين، في تاريخ الأمة الإسلامية، بعد قادة العهد الراشدي، و اخترقت شهرتهم الآفاق، من أمثال حسّان بن النعمان الغساني، و موسى بن نصير اللخمي، و طارق بن زياد البربري، في جبهة المغرب، و المهلب بن أبي صفرة، و قتيبة بن مسلم الباهلي، و محمد بن القاسم الثقفي، في جبهة المشرق، و مسلمة بن عبد الملك بن مروان، على الجبهة البيزنطية، في آسيا الصغرى، و غيرهم من القادة الأبطال الذين اضطلعوا بمهمة حمل رسالة الإسلام، و أرسوا دعائم المجتمع الجديد، و تنظيم أمور الدولة، في شتى المفاصل الحيوية، و كانوا أساتذة و نماذج تحتذي للأمراء و القادة الفاتحين، الذين جاءوا بعدهم، و استلموا الراية منهم، لمواصلة مسيرة الفتوحات، و من ثم وصول الدولة الأموية، و معها الأمة الإسلامية، إلى أوج المنعة و الحيوية، و القوة، و إلى قمة المجد و العز و الرفاهية، حين كان العالم بأجمعه لا يزال يغط في سبات الجهل العميق، و الخرافات القاتلة، و الظلم القاسي، و الاستبداد و الاستعباد البغيضين.

نعم سبق هذه الفترة، تحول أسلوب الحكم من خلافة تقوم على الشورى إلى ملك وراثي، و تخللتها أحداث دموية رهيبة، انتهكت فيها بعض المحرمات، و لكنها كانت انتهاكات طارئة، كحصار الكعبة، مثلا، و مع ذلك يبقى الاجتهاد، في انتهاك هذه المحرمات بعيدا عن المناقشة، و أمره إلى الله، و لكن من حيث النتائج الوضعية، فقد تم القضاء على فرقة المسلمين، و تمزقهم، في الولاء لأكثر من خليفة مسلم، الأمر الذي أسهم، في توجيه هذا الجهد، نحو مراكز القوى المضادة، و تدعيم مكانة الدولة العربية الإسلامية، و كان ذلك يقينا، في مصلحة المسلمين، و لعزة الإسلام، و منعته. مصلحة المسلمين، في بناء دولتهم القوية الأركان، المنيعة الجانب، و تُقام فيها الحدود، و تطبّق الشرائع، وفقا لما جاء به، كتاب الله، و وفقا لما حددته سنة رسوله[3] صلى الله عليه و سلم.

و بعبارة أخرى فإن تلك الانتهاكات، و إن كان لها أثرها في المدى البعيد، لم تغير من مجرى الإسلام الأصيل، و لذلك، فإن الفتوحات استمرت و رقعة الإسلام اتسعت، و ذلك بسبب القوة الكامنة في طبيعة هذا الدين، و الفيض العارم في طاقته الروحية. هذا: و يلاحظ أن أكثر الفقهاء في ذلك العصر تقبلوا خلافة بني أمية، و أفتوا بأنها خلافة شرعية، و يظهر أنهم فعلوا ذلك لثلاثة أسباب: الأول أنه يجوز أن يكون بعض الخلفاء من أمية، لأن شرط النسب والقرشية تحقق فيهم. و الثاني أنه لا يصح الخروج عليهم، لأن الأمة بايعت لهم. و الثالث أنه يجب الأخذ برأي الجماعة، لأنه أقرب إلى الصواب و الحق، و أبعد عن الضلال و الباطل، و لأنه أدعى للسلامة و العافية، و أنفى للاختلاف و الفرقة[4].

و بعد، فهذه كانت أهم ملامح الثلث الأخير من القرن الأول الهجري و هو عصر، تجلت فيه مظاهر القوة و التمكين و الاستقرار للإسلام، و لدولته، و أهله، في سائر الولايات المفتوحة، مع الزخم الجهادي، في الأطراف، كما تجلت فيه مظاهر الحضارة و الثقافة، على كل صعيد، إلى جانب زيادة مساهمة التابعين، في الحياة العامة، كدعاة و معلمين، و في بلاط الخلفاء، كمستشارين، و كان لوجودهم في بلاط الخلفاء دور هام في تصحيح سياسات الخلفاء الأمويين: و مصدر ذلك أن المبادئ الإسلامية قويت في نفوس الناس كافة، و جعلت تحدُّ من تأثير  التقاليد العربية، و تحلُّ محلها في كثير من جوانب الحياة الفكرية و الاجتماعية و السياسية، و مصدره كذلك أن عبد الملك بن مروان نشأ نشأة إسلامية خالصة، حتى كان من أكبر فقهاء الأمة في زمانه[5].

 

[1] حول إصلاحات الخليفة عبد الملك بن مروان وأسباب ضربه للنقود انظر، هناء رضوان: النقود الإسلامية القديمة، مجلة الإجتهاد المتخصصة، العدد المزدوج 34، 35، شتاء وربيع 1417هـ/1997، دار الاجتهاد -بيروت، ص132-148. إبراهيم محمود: السلطة الثرية التفاعلات الجدلية بين التجارة والنقد والسلطة في الدولة العربية الإسلامية، نفس المرجع، ص303، 305. عبد الغني محمد عبد الله: تعريب الدينار بين القراطيس والروايات الحقيقية، مجلة العربي- العدد 363- فبراير 1989، ص153-158.  

[2] جابر عصفور: تحول النموذج الأصلي للشاعر (مقال) مجلة العربي  العدد- 431- أكتوبر1994.

[3] انظر، بسام العسلي: عبد الملك القائد، سلسلة مشاهير الخلفاء والأمراء، دار النفائس- بيروت، ط1، 1406هـ/ 1986، ص114، 127.

[4] حسين عطوان: ملامح الشورى في العصر الأموي، ص35.

[5] المرجع السابق.

 الرابط : https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?ID=25731

Read 177 times Last modified on Wednesday, 21 August 2024 09:44

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab