خاطبت تلاميذ الثانوي هكذا و هم يتابعونني بكل إهتمام :
"هل تعرفون أنتم ابناء زمن الشاشة الحسية و قد إخترفت كل الأبعاد و حولت عالمكم إلي نافذة ضيقة تطلون منها علي عوالم كئيبة تنضخ بالسرعة و الهرولة و إحساس الضغط بينما أنا آتية من عقدي السبعينات و الثمانينات كانت فيه الجزائر جد فتية جد متوثبة للمستقبل جد محبة للعمل و للجد و كانت الطبيعة تكتسي أجمل حللها من جانبي الطرق الصغيرة و لا وجود للطرق السريعة التي تحرمكم من نعمة تدبر آيات الله في كائناته الحية و الجامدة.
كان الجو أصفي مما هو عليه اليوم و كان الجزائري يؤمن إيمان عظيم بعظمة بلده و يجتهد بإمكانياته المتواضعة و مثال علي ذلك مهندس سونطراك الذي كان يقطع مسافات طويلة في الصحراء بسيارته الصغيرة و القديمة ليتأكد بنفسه من ان انابيب النفط و الغاز سليمة و يتفقد بنفسه فرق العمل أي كانت الحرارة و العواصف الرملية بل يغامر بحياته لأن حبه للجزائر كان جبار.
أما اليوم فنحن نري جيلين كل همهم آخر صرعة في اللباس و تقليعات الأكل و الشعر و آخر نوع من الهاتف النقال و آخر شكل من أشكال اللوحات الرقمية و آخر شريط غنائي مجنون و آخر صيحة في الجنون الرقمي و كل وقته يمضيه في فضاء إفتراضي و هو يتحدث مع مجهولين في آخر الدنيا بينما ينسي السؤال عن احوال أمه و ابيه، فيا تري أين الخلل ؟
هذا كله و لا يلاحظ جيل اليوم كيف أن جزائر 2019 ليست جزائر 1962 و اننا قطعنا أشواط كبيرة في النمو بحيث بلدنا لا يعرف الأمية المنتشرة في بلاد اخري و فرص التكوين و طلب العلم تضاعفت و تنوعت الأعمال و الوظائف و سوق العمل مفتوح للمجتهدين و البيت لا يبني في يوم و ليلة بل يستغرق وقت فهل حمدتم الله علي أن دولتكم بالرغم قاعدتها الصناعية لم تلوث بشكل مخيف سماء و هواء الجزائر و أننا نعيش آمنين في بلدنا بفضل يقظة رجال و نساء أحبوا و ضحوا من أجل نعمة كبيرة إسمها الجزائر ...لا تنظروا للبقع السوداء و لا تركزوا عليها و إلا تتحول حياتكم إلي نكد في نكد بل إنطلقوا من البقع السوداء للذهاب إلي النقاط المضيئة و تعلموا و تذكروا الكمال لله و ما دمنا قادرين علي التغيير للأحسن و لا يوجد من يمنعنا من ذلك، فلا يأس مع الحياة."
و سكت. نظر إلي التلاميذ نظرات فرح و صفقوا في حركة واحدة "آه أستاذة كم هو جميل سماعك تحدثينا عن بلدنا الحبيب الجزائر!!!"