قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 04 كانون1/ديسمبر 2021 09:32

النزاع بين الشعبوية و الجمهورياتية

كتبه  الأستاذ فؤاد عبد المطلب
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أعاد إحياء النظرية السياسية الجمهورية إلى الواجهة مرة أخرى، أهمية التمييز بين الحرية كونها عدم-هيمنة،  و هي التي تعتمد على حكم القانون، و الحرية بصفتها حكماً ذاتياً جماعياً يعتمد على مفهوم السيادة الشعبية. يعتبر المنظرون السياسيون الرومان الجدد السيادة الشعبية، كونها نوعاً من السيادة، جزءاً لا يتجزأ من نظرية الدولة، بينما حكم القانون -على الأقل كما هو متصور في التقليد الجمهوري الحديث- ليس تغييراً لسيادة الدولة إنما يمثل مجالاً مستقلاً نسبياً يحصر سلطة الدولة. و لهذا السبب، يقول بيتيت (Pettit) إن حكم القانون المثالي يفسح المجال للاحتجاج الشعبي على سياسة الحكومة، لكنه ينظر بريبة إلى فلسفة روسو التي تقول إنّ على الشعب أن يطيع فقط القانون الذي شارك بنفسه في صياغته؛ لأنّ هذه المشاركة، وحدها، لا تستبعد احتمال أن يكون القانون وسيلة لهيمنة الدولة[2].

من جهتها، تعدّ النظرية الشعبية المعاصرة شكلاً مختلفاً من النظرية الديمقراطية التي يسيطر فيها الشعب على الدولة، كي يمنح ممارسته للتشريع الذاتي قوة كافية للتدخل، و تعديل كلٍّ من نظام الحقوق، المجسد بحكم القانون، و نظام الحاجات، الذي يجسده الاقتصاد. و لهذا السبب، انتقد بعض المنظرين الشعبوية قائلين إنّها تتطلب ميلاً جمهورياً أكثر[3]. و في المقابل، قال منظرون آخرون إن الفصل الجمهوري بين حكم القانون و الحكم الذاتي الديمقراطي يناقض الديمقراطية و يستوجب التقويم بالمزيد من الشعبوية[4]. هذا و حاول نوع ثالث القول بوجوب أولوية ممارسة صياغة الدستور بالنسبة إلى السياسات الشعبوية[5]. و يعيد النزاع المعاصر بين الجمهورياتية و الشعبوية اقتراح ما هو قديم، و لا يهدئ التوتر بين حكم الشعب و حكم القانون.

إن الحديث عن الديمقراطية يعني الحديث عن فكرة شعب و سلطته. و منذ بدايات التقليد السياسي الغربي، أشار لفظ «الشعب» إلى كلّ من جزء مكوّن للمجتمع (شعب populus) و إلى جزء مستبعد من المجتمع السياسي (عوام plebs)[6]. و من ثمّ، و بغية حسم الخلاف بين النزعتين الجمهورياتية و الشعبوية حول معنى سلطة الشعب، يحتاج المرء إلى تقديم رؤية حول كيفية ترابط هذين الجزأين. و يتبيّن أنّ ماكيافلي[7]* مفكر أساسي لهذه المهمة بالضبط؛ لأنّه تميز عموماً بمحاولة صياغة المهمة الجمهورية في قيام شعب حرّ و متساوٍ من خلال أمير مدني تقوم سيادته في حالة استثناء للقوانين مبنيةً على الصراع بين العوام (plebs) و النبلاء (nobles)[8]. و وفق الرؤية الشعبوية، يملك الشعب السلطة حين يحقق العوام (plebs) الهيمنة داخل الشعب (populous) من خلال انتزاع سيطرة الدولة من النخب «الغنية»[9]. و عليه ليس من المصادفة في شيء أن يربط لاكلو (Laclau) «المنطق الشعبي» بإعادة التفكير الممنهجة لنظرية «الأمير الجديد» لغرامشي (Gramsci)، و يسمي ماكورميك (McCormick) صيغته من الشعبوية «ديمقراطية ماكيافلية»[10]. و لكن هل اعتبر ماكيافلي حقاً دستور شعب و حالة الاستبعاد معاً في مثل هذا الأسلوب الشعبوي؟

أقترح في هذا المقال قراءة ماكيافلي كونه يقدّم طريقة مختلفة في التطرق إلى جزء «العوام» مع جزء «الشعب» بحيث يبقي على الفارق بين الدولة و حكم القانون الذي أكده الاتجاه الجمهوري المعاصر، بينما يُظهر في الوقت نفسه كيف يستند هذا الاختلاف إلى فكرة أخرى من الصراعات الطبقية التي لا اعتبار لها في التنظير الشعبوي للصراع الاجتماعي. في هذه الرؤية الجمهورية المُعَدّلة يُمَيّزُ العوام (plebs) أنفسهم عن الشعب (populous)؛ لأنّهم يكافحون لبلوغ شكلٍ من السلطة سمته آرنت (Arendt) «لا حكم»، و هو يُمارَس في غياب الفارق بين الحاكمين و المحكومين[11]. و من المنظور الشعبوي، إن الإدراك الجمهوري لحكم القانون لا يساهم سوى في إخفاء الصراع بين النخب و العوام. و تزعم النظرية السياسية الشعبوية أنّ التأكيد العامي لمساواته مع جميع الأجزاء الأخرى من الشعب (populous) يتّخذ بالضرورة شكلاً معارضاً للقانون؛ لأنّ العوام يوجدون في علاقة استبعاد فيما يتعلّق بالقانون. و من منظور «اللاحكم» الجمهورياتي المعدَّل الذي أقدّمه هنا فإنّ استبعاد العوام من حكم الشعب (populous)، بعيداً عن كونه مصدر عجزهم، هو شرط يتيح للعوام التصرّف كسلطة تأسيسيّة لتشريع قانون عادل. و قد أنقذ ماكيافلي هذا المنظور الجمهوري الروماني لسلطة الشعب، و أظهر كيف يجب فهم حكم القانون بوصفه مكوّناً أساسياً لسياسة العوام.

قسمت تفسيرات ماكيافلي نفسها بين معسكر من يرونه مفكرَ نظام الدولة و معسكر من يرونه مفكراً لسيادة القانون[12]. أقترح اعتبار ماكيافلي شخصية مدخل مساعدة في التفكير حول الديمقراطية من خلال «تناقض القانون و النظام»[13]. و يختلف هذا التناقض عن التناقض بين العوام و سيادة القانون الراسخ في التفكير السياسي الشعبوي؛ لأنّ العوام، بحسب تناقض فوكو (Foucault)، يقفون إلى جانب سلطة سياسية لتشريع القانون الذي يرفض حكم السلطة الرعوية، و يضع أنظمة الدولة في «حالة استبعاد». و فيما يأتي، أبدأ بإظهار الطريقة التي تهدم من خلالها المفاهيم الشعبوية المعاصرة للسياسة العامية التمايز بين السلطتين الرعوية و السياسية. ثمّ أقدم سلسلة نسب مختصرة لفكرة «شعب» هدفها توضيح كيف أنّ الفكرة المسيحية عن الجمهورية لدى أوغسطين (Augustine)[14]*، و بعد ذلك النموذج المثالي الجمهوري المدني الإنساني، يسهمان في نسيان التناقض المذكور سابقاً، باختزال الشعب في وظيفة نظام دولة. يُختتم المقال بقراءة لاستعادة ماكيافلي في التاريخ الروماني لصراع العوام من أجل اللاحكم ككفاح من أجل سلطة الشعب للإطاحة بحكم الدولة و أنظمتها باسم القانون العادل.

مساواة العوام من لوفورت (Lefort) إلى لاكلو (Laclau)

تعود النظرية السياسية المعاصرة الأولى، التي يرتبط فيها الفصل بين الشعب و العوام بمفهوم جمهوري للديمقراطية، إلى سنة (1968) في كتاب لوفورت (Lefort) حول ماكيافلي[15]. و بتبني أطروحة ماكيافلي الرئيسة حول المعارضة بين جزء الشعب الذي «لا يرغب في أن يأمره و لا أن يضطهده ‹العظماء› و النخب التي ‹ترغب في أن تأمر الشعب و تضطهده›»[16]، يُسلم لوفورت (Lefort) بـ«أن المجتمع السياسي يوجد فقط خارج تقسيمه، و يكون قوياً فقط إذا ما وجد في تأثيرات التقسيم الاجتماعي إمكانية الربط بالعالم الخارجي»[17]. و يؤكد شكل ديمقراطي من المجتمع هذا التقسيم الداخلي للشعب (populous) بحيث يصبح مكان الحكم «مكاناً فارغاً و يصبح الذين يمارسونه [الحكم] مجرد أشخاص يحتلونه بشكل مؤقت فحسب، أو يمكنهم أن يُنصّبوا أنفسهم فيه بالقوة أو المكر فقط»[18]. و بالنسبة إلى لوفورت (Lefort)، تدعم الديمقراطية الاختلاف بين أفراد الشعب (populous) «المنظمين» و العوام (plebs) «الهمجيين» بحيث يمكن لصفات العوام (plebs) الفوضوية أن تعيق منح السيادة للشعب[19]. يقارن لوفورت (Lefort) صورة المجتمع الديمقراطي هذه دون سيادة بشكل استبدادي من المجتمع الذي ينكر التقسيم الجوهري للشعب، و يضع في أساسه «تمثيل الشعب ككتلة واحدة»[20]. و قبل رفض كلّ من رانشير (Rancière) وباديو (Badiou) و نيغري (Negri) للسياسات المحددة على أساس أنها تختزل تعدد «الحشود» في وحدة الشعب، كان لوفورت (Lefort) قد ربط بين شرط إمكانية تحقيق الديمقراطية مع جزء العوام (plebs) «غير المعدود» أو «الهمجي».

بغضّ النظر عن محاولة غرامشي (Gramsci) لفهم أمير ماكيافلي «الجديد» أو «المدني» بوصفه السلطة الأساسية لمجتمع ديمقراطي أو شيوعي متطرف، لم يعد لوفورت (Lefort) يؤمن بأنّه من الممكن أن يصبح العوام (plebs) الدولة، و أن يضمنوا الهيمنة بطريقة تخلق مجتمعاً دون طبقات. و هو لا يستطيع تخيّل مجتمع كهذا «من دون طبقات» سوى على أنه وهم إيديولوجي يحاول من خلاله الأمير المدني، عن طريق «التظاهر و النفاق»، التحكم في مفارقة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، نظام يكون قانونياً و همجياً في آنٍ واحد، من خلال تقديم صورة شعب متّحد و ذي سيادة اندمج «بنجاح» في الاختلاف المتطرف لدى العوام (plebs)[21].

عوضاً عن ذلك، يتتبّع تفسير لوفورت (Lefort) لماكيافلي مساراً آخر بالنسبة إلى سلطة الشعب الأساسية التي تتجاوز شخصية الأمير المدني أو الأساسي. ففي كتاب (نقاشات حول ليفي)، يُسلم ماكيافلي بشكل جيد بأنّ «جميع القوانين المصاغة لصالح الحرية تنشأ من الانفصال [بين العوام plebs و العظماء]»[22]. و يقرأ لوفورت (Lefort) هذا المقطع على أنّه يعني السياسة الأساسية التي تبرز من الانقسام الذاتي لشعب يجد تعبيره الحقيقي في فكرة حكم القانون «الذي يُبقي مسألة وحدة الدولة مفتوحة»[23]. و كي تُخلص سيادة القانون نفسها من الآلية الإيديولوجية للدولة، و تصبح وسيلة سياسة ديمقراطية أساسية، على القانون أن يعكس معارضة رغبة العوام في عدم الحكم و رغبة النخب في الحكم[24]. وجه لوفورت (Lefort) فهم النزعة الجمهورياتية نحو مقاومة العوام (plebs) «الهمجييين» للدولة و«سمو» القانون وفق أنظمة الدولة[25]، لكنّه أخفق في تقديم رؤية لكيفية تطابق هذين الجانبين لدى ماكيافلي. و أبيّن فيما يأتي أنّ إدراج العوام (plebs) ضمن الشعب (populous) عبر الكفاح من أجل قانون عادل و توسيع الحقوق السياسية يحدث ضمن و عبر مفهوم جمهوري لحالة الاستثناء.

يستعيد مفكرو ما بعد الغرامشية (Post-Gramscian) مثل نيغري (Negri)، و لاكلو (Laclau)، و موف (Mouffe)، سيادة الأمير «الجديد» بوصفها لحظة أساسية في بناء شعب حر، بينما يحاولون تجنب انهيار سياسة العوام الأساسية إلى ما عرفه لوفورت (Lefort) بوصفه سياسة استبدادية. و بينما يختلف لاكلو (Laclau) و موف (Mouffe) عن نيغري (Negri) في مفهومهما حول أمير ماكيافلي «مدني»: يعتبر نيغري (Negri) الأمير «المدني» العامل السياسي الذي يعيد الدولة إلى الاجتماعي بإضفاء الطابع الديمقراطي و السياسي على العمل المنتج للعمال، و يؤسس ديمقراطية «مطلقة» من دون دولة[26]. ترتكز أصالة لاكلو (Laclau) على ادعائها أنّ الأمير «المدني» يمثل أساساً العوام (plebs)، الذين يعتمد عملهم الثوري على العمل بديلاً مؤقتاً للمثل الأعلى الذي لم يتحقّق أبداً على نحو كامل، و المتمثل في شعب (populous) متّحد و غير طبقي[27].

تظل نقطة بداية النزعة الشعبوية لدى لاكلو (Laclau) هي التمييز بين الشعب بوصفه قوة مكونة (الشعب تحت التمثيل السياسي)، أو (populous)، و الشعب كونه قوةً تأسيسية (الشعب بوصفه الجزء غير المعدود ممن ليس لهم دور في الدولة)، أو العوام (plebs) الذين يذكرهم رانشير (Rancièr)[28]، إلا أنّ ذلك مستمدّ من قراءة ماكيافلي للجمهورية الرومانية كما نقلها تفسير لوفورت (Lefort). و قد افترض رانشير (Rancièr) في العمل ذاته أنّ العوام (plebs) المستبعدين أو (demos) لا يتداركون الظلم الذي عانوا منه من خلال طلب اعتراف الدولة بوصفهم جزءاً آخر من الأجزاء المكوّنة لها، و إنما من خلال التطلّع إلى التغيير الكامل للمدينة (polis)، و ادعاء أنّهم يساندون كلّ أفراد الشعب (populous)[29]. يتمثل ابتكار لاكلو (Laclau)، في علاقة بصياغة رانشير (Rancièr) لمشكلة بناء شعب، في إظهار الكيفية التي تفسر بها مطالبة العوام بالعدالة من قبل الأمير «المدني» أو المُهيمن بصفته ممثل العوام (plebs) الرئيس. إنّ «المنطق الشعبي» لدى لاكلو (Laclau) هو محاولة لوضع نظرية «المُقوِّم التأسيسي»، و ليس مجرد المكون، و هو دور يضطلع به الأمير أو الممثل السياسي في الديمقراطية. و بالابتعاد عن البنى الرافضة للشيوعية، مثل تلك التي جاء بها كلّ من باديو (Badiou) (2010) و(Agamben) (1993, 2007)، يؤكّد لاكلو (Laclau) أهمية وجود رؤية لكيفية «اعتماد المُمَثَّل على الممثل له في تكوين هويته أو هويتها»[30] لتحقيق ما يسميه «التصدعات التعادلية»، التي تبني الشعب و التي تُحوّل السياسة الديمقراطية الليبرالية إلى سياسة شعبية (ديمقراطية مطلقة)[31].

و كما يوضح لاكلو (Laclau) تكمن الوظيفة التعريفية للممثل في تحويل متطلبات العوام (plebs) الاقتصادية الاجتماعية الخاصة إلى متطلبات سياسية لبلوغ المساواة الكونيّة بإعطاء اسم يصبح معه العوام (plebs) شعباً: «يؤدّي المنطق التعادلي إلى التفرد، و التفرد إلى تحديد وحدة المجموعة باسم الزعيم. و إلى حد ما، إنّنا في حالة مشابهة لحالة السيادة عند هوبز (Hobbes)»[32]. باختصار، إنّ «المنطق الشعبي» هو المنطق الذي يجسده زعيم الشعب: و توجد الشعبوية فحسب على شكل اللينينية، و الماوية، و البيرونية و ما إلى ذلك.

إن إشارة لاكلو (Laclau) إلى مفهوم هوبز (Hobbes) حول التمثيل ليست عرضيّة؛ ذلك أنّ إعادة بنائه للشعبوية تعتمد على تصوّر ممثل فردي ذي سيادة يجسد -إذا جاز التعبير- مساواة العوام (plebs) و الشعب (populous). و من المفارقات أنّ مفهوم الممثل السيادي هذا تمّ تطبيقه مسبقاً في تصوّر كلٍّ من شميت (Schmitt) و فوغلين (Voegelin) للتمثيل السياسي و منطق الدولة. فبالنسبة إلى شميت (Schmitt) ليست نظرية هوبز (Hobbes) حول السيادة مذهباً للمَلَكِيَّة، «و إنما وجب توجيهها نحو الوحدة السياسية و حضورها أو تمثيلها»[33]. و يؤمن شميت (Schmitt) بأنّ مشكلة بناء الوحدة السياسية لعدد كبير يمكن حلّها فقط بالعودة إلى ممثل الشعب ذاك القادر على تقديم ردّ موثوق لسؤال من هو الصديق و من هو العدو في مجتمع معين. و بالنسبة إلى شميت (Schmitt)، إنّ الملك وفق هوبز (Hobbes) هو ممثل شعبي. و من المثير للاهتمام أنّ شميت (Schmitt) يرى استمرارية بين الكاثوليكية شكلاً سياسياً (مرتبطاً بالسيادة البابوية) و الليـﭬياثان (Leviathan) عند هوبز (Hobbes) (مرتبطاً بالسيادة العلمانية): تشير هذه الاستمرارية إلى الطريقة التي تؤطر من خلالها القوة الرعوية شروط القوة السيادية.

توجد هذه القوة الرعوية على حافة الخطر في نظرية التمثيل هذه، و هو ما يصبح أوضح في كتاب فوغلين (Voegelin) (علم السياسة الجديد)؛ حيث يُفهم التمثيل بأنّه «المشكلة الأساسية لنظرية السياسة»[34]. تتمحور فكرة التمثيل هذه حول مبدأ وجوب وجود «حكام يمكنهم العمل لأجل المجتمع، رجال لا تنسب أعمالهم إلى أشخاصهم، و لكن إلى المجتمع ككل»؛ لأنّهم يحملون حقيقة سامية يحكمون باسمها شعبهم، مثلما يرعى الرعاة قطيعهم[35]. إنّ حدس فوغلين (Voegelin) الحاسم هو أنّه من دون ممثل «يعبر عن» مجموع شعب أو (populous) و لكلّ فرد من أفراده؛ أي دون ممثل يسمح للمجتمع بتمثيل نفسه لنفسه، لن يكون في استطاعة هذا المجتمع أو الشعب (populous) أن يختار بدوره «ممثليه»، و من ثم لن يكون «ديمقراطياً». إن مبدأ فوغلين (Voegelin) الأساسي للديمقراطية هو أنّ «التعبير شرط التمثيل»[36]: و في هذه الصيغة، يعني «التمثيل» التمثيل الديمقراطي، التمثيل «من الأسفل»، بينما تحيل كلمة «التعبير» على التمثيل «من الأعلى». و يقلب فوغلين (Voegelin) مبدأ التمثيل الديمقراطي رأساً على عقب، بطريقة هوبز (Hobbes) تقريباً، بحيث يصبح الممثل السلطة الأساسية الفعالة، و هذه السلطة، التي يجب أن تنتمي إلى الشعب، تصبح عملياً سلطة مكونة.

فُهمت فكرة لاكلو (Laclau) حول «المنطق الشعبي» على أنّها بناء لكونية العوام (plebs) عن طريق «التعبير» عن متطلباتهم المتباينة و تحويلها إلى سلسلة من المعادلات، أولاً، ضد «عدو» (داخلي)، ثانياً، تحت اسم «دال فارغ» للعدالة[37]، و ثالثاً، في الاسم الخاص لزعيم، المشابه بشكل لافت للتنوع السابق لمنطق الدولة الذي صاغته نظريات شميت (Schmitt) و فوغلين (Voegelin) حول السيادة. و عند كل من شميت (Schmitt) و فوغلين (Voegelin)، يعود المنطق العام للسيادة أو الزعيم لضرورة وضع قوانين «عامة» في حالة استثناء للرفاهية العليا للشعب، و بهذا يتم الجمع بين النموذجين الرعوي و السيادي للسلطة. لكن أصل مفهوم المنطق العام هذا بوصفه سبباً للدولة يمكن تتبعه -حتى قبل هوبز (Hobbes)- إلى أزمة الحكم الجمهوري النقابي في الصراعات الطبقية لمجتمع أواخر القرون الوسطى و أوائل العصر الحديث التي شكلت فكر ماكيافلّي السياسي. و أبحث باختصار فيما يأتي عبر أيّ انتقالات تاريخية تحول العوام (plebs) من كونهم عصابة «همجية» بلا سيادة من المشرعين الخارجين عن القانون ليصبحوا «جيشاً» منضبطاً و منظماً ذا صفة عسكرية بممثله السيادي أو زعيمه، و ساعياً إلى ترسيخ المثل الأعلى لمجتمع «عادل» على الأرض.

كيف أصبح العوام (Plebs) الهمج جيشاً مطيعاً: المفاهيم الجمهورية المسيحية و المدنية للشعب

يوجد توضيح كلاسيكي لتمييز فوكو (Foucault) بين السلطتين السياسية و الرعوية لشعب في إعادة تفسير أوغسطين (Augustine) النقدي في كتاب (مدينة الإله) لتعريف شيشرون (Cicero)[38]* للجمهورية. و قد عرف شيشرون (Cicero) الجمهورية بأنّها أداة للشعب (populous)، التي يمكن القول إنّها توجد حين يكون ثمة «مجلس للجماهير مرتبط بإجماع القوانين و بمجتمع المصالح»[39]. و يعود تصور الجمهورية هذا إلى الدستور الروماني حين وصل صراع الأنظمة بين طبقة النبلاء و العوام (plebs) شكلياً إلى نهايته مع صدور القانون الروماني المعروف باسم هورتينسيا (lex Hortensia) عام (287) قبل الميلاد، الذي أكد التساوي بين استفتاءات العوام (plebs) و القوانين المصاغة تحت رعاية مجلس الشيوخ. و بتلك الطريقة، أعيد دمج العوام (plebs) ضمن الشعب (populous)، و قد زُعم اكتشاف وجود «منفعة مشتركة» بين النبلاء والعوام[40]. و تؤكد صياغة شيشرون (Cicero) ارتباطاً جمهورياً بين الشعب و الموافقة التي تؤسس لشيء كقانون: يُعرّف الشعب على أنه جميع الذين يوافقون على الخضوع للقانون، من تكون موافقتهم على القانون ضرورية؛ لأنهم (sui iuris) مستقلون.  و ليكون الناس جزءاً من الشعب فذلك يعني بالتحديد أن يختاروا خدمة القانون كي لا يعتمدوا على توجيه شخص ما أو كي لا يكون لديهم أيّ سادة مطلقاً، كما يقول شيشرون (Cicero) في خطبته (دفاع عن كلينتيو) (Pro Cluentio) (146). باختصار، إن القانون يحمل في هذا التقليد الروماني إحالة داخلية على قيمة الاستقلال، أو ما يدعوه فوكو (Foucault) «سيادة الذات» (maitrise de soi sur soi)[41]. إن سيادة القانون هي ما يسمح لشخص ألا يكون محكوماً.

يغير أوغسطين (Augustine) فكرة القانون هذه، و يجعل المساواة بين الشعب (populous) و العوام (plebs) معتمدة على نتيجة عمل الحكومة أو العناية الإلهية، كونها إنجازاً لما يدعوه فوكو (Foucault) القوة الرعوية. و بالنسبة إلى أوغسطين (Augustine)، لم تعد طبيعة القانون تكمن في الإجماع الذي يمكن مواجهته عند شعب معين، و لكن في حقيقة أنّ القانون يصبح أداة التدبير الإلهي للعدالة، التوزيع الصحيح، و لكن ليس المتساوي بالضرورة للسلع اللازمة لخلاص كل فرد من الجماعة و أمنه: «و حيث لا توجد عدالة حقيقية لا يمكن وجود قانون. كما أنّ العدالة هي تلك الميزة التي تمنح كل شخص حقه. أين تكمن إذاً عدالة الإنسان حين يهجر الإله الحقيقي، و يسلم نفسه إلى الشياطين النجسة؟ هل يمنح هذا كل شخص حقه؟»[42]. تعتمد «العدالة الحقيقية» لدى أوغسطين (Augustine) على محبة الإله (ordo amoris) أو محبة حقيقية للخليقة تعارض المحبة غير الحقيقية ‹للعالم› أو مدينة الإنسان (amor mundi)[43]. أن يكون المرء محكوماً بأمر الإله فذلك يصبح شرطاً لإمكانية توجيهه إلى الصالح العام، و من ثَمَّ إظهار محبة إنسانية (caritas) أو محبة جاره كحبّه نفسَه، «و إذا كان هذا مفقوداً فلن يوجد شعب بالتأكيد... لأنه حيث لا يوجد شعب لا توجد جمهورية»[44]. لذلك تتطلب الجمهورية الحقيقية فهماً جديداً للشعب كونه «مجتمعاً ذا تعددية عقلانية مرتبطاً بتوافق مشترك للأشياء التي يحبها»[45]. و ثمّة أشياء يمكن حبّها معاً أو بشكل مشترك فحسب، و حبّ هذه الأشياء هو ما يصنع شعباً و مجتمعاً منظماً بشكل جيد، من ضمن التعددية. يكمن الآن حب الوحدة، أو التوافق، بدلاً من مساواة القانون، في أساس مساواة العوام (plebs) مع الشعب (populous).

إن لتحول أوغسطين (Augustine) من القانون إلى العدالة، و من الصراع إلى التوافق، بوصفه سمة الشعب (populous) الأساسية أهمية بالغة في تاريخ التصور العامي للسياسة ربّما لأنها المرة الأولى التي يُفهم فيها العوام (plebs) على أنهم بحاجة إلى أن يكونوا منظمين و محكومين، و يتم خلاصهم في النهاية: يشير هذا إلى انقلاب التصور اليوناني و الروماني للشعب على أنه يتمتع بسلطة تشريعية خاصة به لصالح تصور شعب موحد يعيش بسلام نتيجة العناية الرعوية التي يمارسها الإله عبر مساعديه الدنيويين. و في أطروحة مبكرة حول العناية الإلهية يعيد أوغسطين (Augustine) تعريف أفراد الشعب (populous) الرومانيين -الذي يشير في معناه القديم الأصلي إلى جيش الملك المؤلف من جنود مواطنين- مثلما تألفت (ecclesia) (الكنيسة) من جنود مخلصين يحاربون الخطيئة:

ما الذي يسعى إليه الأصدقاء غير أن يكونوا موحدين؟... الشعب هو مدينة يشكل الخلاف خطراً عليها. ما الشيء الآخر الذي تجب معارضته لا التفكير بالطريقة نفسها [non unum sentire]؟ الجيش مكون من العديد من الجنود. ألا يهزم بسهولة أيّ حشد مفرق أكثر من كونه متحداً بشكل متين؟ في الحقيقة يسمى التعاون في حد ذاته جماعة (cuneus)، أي اتحاداً تعاونياً، إذا جاز التعبير [quasi couneus]. و ماذا عن كل نوع من الحب؟ ألا يتمنى أن يصبح واحداً مع ما يحب؟[46]

إن استبعاد الانشقاق فعال في تنظيم الحشد أو العوام (plebs) في تشكيل جماعة (cuneus)؛ أي تشكيل الإسفين العسكري الروماني و رتل الهجوم، الذي يقتحم الحشود المعارضة لغير المؤمنين. يساوي تصور أوغسطين (Augustine) للعوام (plebs) هؤلاء مع الشعب (populous) كأداة لحبهم المشترك لممثل (يسوع بوصفه المسيح) الملك (الإله بوصفه أباً و ملكاً). في مثالية جمهورية مسيحية، تُعدّ المحبة الكونية للإله لُحمة واحدة مع المحبة المسيحية للجار و المسعى المنظم للصالح العام. و تصبح المحبة المسيحية أساس دستور الشعب، الذي أصبح أفراده المواطنين التابعين، الآخرين (alieni iuris)، لمدينة الإله، من أصبح مبدأ عملهم طاعة العناية الإلهية أو الحكومة، بدلاً من خلق قانون بشري.

توجد استمرارية خفية بين النزعة الجمهورياتية المسيحية هذه و الطريقة الجديدة لمساواة العوام (plebs) مع الشعب (populous) التي تحققت عبر قيادة مُعَلمَنَة لممثل الملك أو «السيدة» (Signoria) في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. و كما ذكر فوبني (Fubini) و آخرون، بدأت الحكومة خلال هذه الفترة في دول المدن الإيطالية «السيدة» (Signoria) في زعمها أنّها وحدها من يمثل ما دعاه بروني (Bruni) وإنسانيون مدنيون آخرون «القوة و السلطة المطلقة الكاملة و الحرة و الكلية لشعب فلورنسا»، متجاوزة الأشكال الاجتماعية الشعبية التقليدية ذات الأساس النقابي للتمثيل[47]. كانت مطالبة «السيدة» (Signoria) بتمثيل سلطة الشعب (populous) المطلقة مهيّأة عن طريق «حالة حرب مستمرة... ملازمة لسياسة التوسيع الإقليمي»، التي سمحت «لحالة طوارئ [أن] تصبح، بمعنى القول، السياسة الداخلية المعيارية و المشروطة، معطية تسويغاً للتغييرات المؤسساتية»[48]. و على عكس أغامبن (Agamben) (2003)، تصبح حالة الطوارئ هنا المعيار ارتباطاً بتحول في تصور التمثيل الديمقراطي: حين اعترضت المجالس الشعبية (popolo) و(commune) القانونية على مثل هذه الحكومة بمراسيم طارئة، و انتقد أفراد الحكم (reggimento) ممثلي المجالس بحجة أن الأخيرة مثلت فقط مصالح النقابات الخاصة أو المحددة، بينما مثلت الحكومة نفسها (et salutes publicas) (مصلحة و رفاهية الشعب بكامله)[49]. و ربما تكون فكرة التمثيل الشعبي و التراتبي هذه التي اقترحتها نخب فلورنسا قد ألهمتها حجج رجال القانون و التشريع (Legists) و(Decretists) الذين عملوا، خلال القرنين الثاني عشر و الثالث عشر، على ترسيخ سيادة أو سمو المكانة المَلَكيةّ (status regis) على باقي المكانات الأخرى التي تشكل الهيئة السياسية؛ لأنه تقرر أن هذا المنصب ذو فائدة للجميع على حد سواء (publicae utilitatis) في حالة الطوارئ[50]. في هذا الوقت، تم استبدال منطق قانون أوغسطين (Augustine) الطبيعي، الذي اتبع الميل الطبيعي للشعب لمحبة نظام الخلق الإلهي، بالمنطق العام للممثل السيادي للشعب، الذي يكتسب شرعيته من خلال الحماية التي يوفرها لحريات الأفراد «الطبيعية»، التي تُعدُّ منفصلة عن ارتباطاتهم النقابية و العامة.

وضح المذهب الناشئ للسيادة و حالة الاستثناء اللذان يبرزان منتصرين بسبب منطق الدولة الذي طوره بودين و هوبز (Bodin) (Hobbes)[51] أزمة ما دعاه نجمي (Najemy) «الجمهورياتية النقابية» لدول المدن الإيطالية. و تبقي النزعة الجمهورياتية النقابيّة على معنى القانون في العصور الوسطى بوصفه «دستور شعب» (constitutio populi) «طبيعياً» لأنه غير مجبر على تنظيم شعب عبر نقابات، كلّ منها أعطى رأيه في الحكومة وفقاً لمساهمتها في إرضاء الاحتياجات الاجتماعية و وفقاً للعادات المعتنقة طويلاً[52]. و على الرغم من مظهرها الاتحادي، لا تزال المساواة في الجمهورياتية النقابية تحتفظ بمهمة المحبة المتناغمة، ليس للقانون العادل: فالصالح العام أو الإجماع بين الجامعات (universitates) أو النقابات المختلفة، التي يحرص كل منها على مصلحة معينة لأفرادها، يتحقق إما بشرط أن تنظيماً تراتبياً لهؤلاء الأفراد يكون مقبولاً (أن يكون القانون الطبيعي عقيدة هذا التنظيم)، أو بشرط أن يفرض ممثل ذو سيادة «مصلحة عامة» فوق مصالح النقابات. و في كل الأحوال تقع النزعة الجمهورياتية النقابية فريسة لإمكانيتي تنظيم الفكر السياسي في العصور الوسطى هاتين.

يمكن فهم فكر ماكيافلي السياسي، جزئياً، على أنه يقدم تشخيصاً لإخفاق النموذج النقابي للنزعة الجمهورياتية و رغبة لتجاوز كل من القانون الطبيعي و الأشكال الأولى للتمثيل السيادي. و حين يعود ماكيافلي في كتاب (نقاشات حول ليفي)[53] إلى صراع الأنظمة لإظهار مهمته الأساسية للحرية الجمهورية، فليس مصادفة أنه يفعل ذلك برفض تصور أوغسطين (Augustine) للحب السياسي للنظام و الحب التراتبي. و يقسم ماكيافلي، في الواقع، محبة الشعب إلى رغبة في القيادة أو الحكم، و رغبة في عدم الطاعة أو الانقياد. و هذا الانحراف الأصلي في الرغبة لدى الشعب (populous) جزء لا يتجزأ من رفضه فكرة المحبة الكونية (و معها الفكرة ذاتها للمسيحية) بوصفها مبدأ للنظام السياسي. يكشف ماكيافلي، في كتاب (تاريخ فلورنسا)، التناقض بأن النزعة الجمهورياتية النقابية، على الرغم من تشكيل الشعب (populous) على أساس التوافق بين مصالح مكوناته الاجتماعية، تجعله يخفق في إحداث «قوانين الحرية». و إحدى أطروحات (تاريخ فلورنسا) أن الصراع الاجتماعي بين «الشعب الذي يريد العيش وفقاً للقوانين و الأقوياء الذين يريدون قيادته»[54]، الذي كان نتاج قوانين الحرية في روما، فقد فعاليته القانونية في فلورنسا[55]. يحدد ماكيافلي المشكلة في حقيقة أن التنظيم في نقابات يضع الصراع السياسي في خدمة الصراع من أجل الأفضلية الاقتصادية لأحد أجزاء المدينة على حساب آخر، و هكذا يحول فلورنسا «من عدم المساواة إلى مساواة رائعة»، كما يقول بسخرية، مزيلاً كلّ «فضيلة ثائرة و سخاء الروح»[56] ليطلق «الجشع» و السعي وراء «مراتب الشرف الوضيعة»[57] تحت حماية الأمراء المدنيين الجدد.

يذكّر ماكورميك (McCormick) (2011) بأنّ حلّ ماكيافلي لأزمة الحكم الجمهوري النقابي يتطلب انخراط العوام (plebs) في صراع طبقي أكثر «ضراوة» و عنفاً من أجل السيادة السياسية. و في الحقيقة، إن تحليل ماكيافلي لثورة تشيومبي (Ciompi)[58]*[59]، و بصورة خاصة للخطاب الثوري لممثل جزء العوام (infima plebe)، مع هجومه على نظام النقابة، غالباً ما فُسّر بأنّه يعتمد على فهم اقتصادي للصراع الطبقي[60]. و في رأيي، إن التفسير الذي يقلص سياسة العوام إلى مسألة مساواة اقتصادية يخفق في إنصاف النقطة التي يكررها ماكيافلّي خلال كلٍّ من كتاب (نقاشات حول ليفي)[61] و(تاريخ فلورنسا)[62]؛ أي أن سبب الصراع السياسي في فلورنسا لم يؤدِّ إلى قانون عادل، كما في روما، بل إلى مجرد عنف طائفي سببه أنّ المعارضة السياسية أصبحت وسيلة لتحقيق هدف إعادة توزيع الثروة. أعاق هذا الهدف الاقتصادي التقسيم الحقيقي داخل الشعب (populous) بين الذين يرغبون في الحكم و الذين لا يرغبون في الحكم. و فهم ماكيافلّي أن مصالح النقابات كانت بالضرورة مصالح خاصة دائماً، و أنّ هذا قسّم الشعب إلى «طوائف» تغاضت عن مصلحة مُعممة في عدم كونهم محكومين[63]. و بتفسيره بصورة صحيحة، يُظهِرُ خطاب تشيومبو (Ciompo) أنّ الفائدة من عدم كونهم محكومين هي التي تكمن في أساس المطلب الثوري بأن يصبحوا قوة أساسية، أن يصبحوا «أمراء المدينة كلها»، و ذلك عبر صراع ضد «جشع رؤسائك و ظلم قضاتك»[64]. و في القسم التالي، أقدّم تفسير الفهم الروماني لسياسة العوام التي يرى أنّ القانون العادل أساسي لا الثروة العادلة. و أرى أنّ ماكيافلّي يستعيد هذا الفهم في كتاب (النقاشات)، و يكتبه في خطاب تشيومبو (Ciompo) الثوري، الذي يوضح لماذا ينتهي الخطاب بمناشدة رومانية خالصة إلى «الفضيلة المسلحة» و حب «شرف» العوام (plebs) أنفسهم (و ليس النبلاء)، و هي الخصائص ذاتها التي يزعم ماكيافلّي أنها تلاشت خلال نظام النقابة. تصبح هذه المناشدة ذات معنى فقط في ضوء حقيقة أنّ الصراع الاجتماعي يفترض نهاية سياسية قانونية (لا اقتصادية) للصراع؛ أي الاعتراف بالعوام (plebs) على أنهم «الجزء الأقوى» من الشعب (populous)، الذين تصنّفهم صياغة مارسيليوس (Marsilius) المشهورة، في مؤلفه (المدافع عن السلام) (Defensor pacis)(*)، على أنّهم المُشَرّع البشري الشرعي الوحيد.

حالة الاستثناء لدى العوام و الكفاح من أجل قانون عادل

كيف كان ممكناً لنزعة ماكيافلّي الجمهورية أن تخترق الرابط المزدوج للقانون الطبيعي المسيحي و للسيادة التمثيلية، اللذين دمّرا النزعة الجمهورياتية النقابية؟ يسعى ماكيافلّي إلى تجاوز كلّ من خطابي دستور شعب بالتوجه نحو الحقيقة الفعلية (verità effettuale) للتجربة الرومانية في سياسة العوام. و يطور ماكيافلّي نموذجاً للسياسة الرومانية التي تعبّر عن مثالية الحياة السياسية (vivere politico) (ليست قابلة للتحول إلى الحياة المدنية الإنسانية vivere civile)، التي تجمع الصراع الاجتماعي و حالة الاستثناء و المساواة تحت القانون في كوكبة ثورية جديدة. و على غرار ما فعله أوغسطين (Augustine) في (مدينة الإله)، يبدأ ماكيافلّي أيضاً من تعريف شيشرون (Cicero) للجمهورية بأنّها مهمة الشعب (populous)، لكنه يختار تأريخ بداية الجمهورية بصراع الأنظمة، بدلاً من نهايته. و قد نوقش بشكل كثير مؤخراً سؤال أين تكمن الاستمرارية بين نزعة شيشرون (Cicero) و ماكيافلّي الجمهورية موضع مناقشة كثيرة مؤخراً[65]. لكن إحدى سمات فكر شيشرون (Cicero) السياسي، التي تبدو قريبة من خطاب «ماكيافلّي»، لم تثر انتباهاً كبيراً. و إذا ما عدنا إلى مناقشة أوغسطين (Augustine) لتعريف شيشرون (Cicero) للشعب، ثمّة نقطة واحدة يتفق بها مع شيشرون (Cicero)، وه ي حين يخرج الفيلسوف الروماني من الفهم الروماني المألوف للعلاقة بين الشعب و القانون كي يربط، بأسلوب أفلاطوني، فكرة القانون (ius) بفكرة العدالة (iustitia)[66]. ما يروق أوغسطين (Augustine)، في بادرة شيشرون (Cicero)، أن الإشارة إلى العدالة تستلزم إشارة إلى القانون الطبيعي. في الواقع يقول شيشرون (Cicero) إنّ «جميع القوانين البشرية» لها معيار يتمثّل في «قانون ثابت و أبدي و أساسي قدسي أو منطق طبيعي»، و أن الفارق بين ما هو عادل و ما هو ظالم مردّه إلى الطبيعة[67]. إنّ الإشارة إلى الطبيعة على أنّها أساس القانون الشرعي وجب فهمها مقابل إشارة أخرى، و هي معيار العوام لتشريع القوانين؛ أي الرغبة في حرية عادلة تحت القانون (aequum ius). كان القانون العادل مبدأ كفاح العوام ضد طبقة النبلاء و مقامهم الرفيع الموروث أو الطبيعي، «حقهم المقدس أو الطبيعي في القيادة». و كما يشير ورزوبسكي (Wirszubski)، يطور شيشرون (Cicero) خطابه حول القانون الطبيعي كونه غير راغب في منح الشعب سلطة مطلقة لوضع القوانين أو تغييرها؛ أي منحهم سلطة أساسية[68].

ثمة تصوران لحالة الاستثناء مهدّدان بالضياع في هذين المفهومين لتشريع القوانين؛ لأن مطالبة شيشرون (Cicero) بقانون طبيعي لم تساعد الغاية الأساسية لتقديم الدستور الروماني على أساس أخلاقي فحسب، كما يزعم ورزوبسكي (Wirszubski)، لكنّها كانت أيضاً جزءاً من جهد شيشرون (Cicero) لتشريع قرار مجلس الشيوخ النهائي (Senatus Ultimum Consultum)، و هو امتياز أرستقراطي لمعارضة القوانين التي جاءت بها المجالس الشعبية، التي ميزها أغامبن (Agamben) بأنّها أحد جذور فكرة حالة الاستثناء[69]. هذا التفسير «الماكيافلّي» لالتماس شيشرون (Cicero) قانوناً طبيعياً يصح فقط إذا وضع ضمن سياق دعوة شيشرون (Cicero) لأمير مدني (princeps civitatis) لإصلاح الجمهورية في كتب الجمهورية (De republica) اللاحقة.

و لكن إذا أمكن القول إنّ شيشرون (Cicero) يتجه نحو فكرة «ماكيافلية» حول الأمير المدني، فإنّ ماكيافلي، من جهته، يأخذ فكرة الأمير المدني و حالة الاستثناء بالاتجاه المعاكس، بعيداً عن طبقة النبلاء كي يضعها في خدمة سياسة عاميّة تريد أن تُدخل في الصراع الطبقي للجمهورية النقابية وجهة نظر مَن هم خارج المجتمع الطبقي. هذه هي وجهة النظر التي عبّر عنها، إلا أنّها لم تُنفذ في النهاية، من خلال خطاب تشيومبو (Ciompo) المشهور في كتاب (تاريخ فلورنسا): «لأن، بالنسبة إلى جميع البشر، من كانت لديهم البداية نفسها، هم قدماء على حدّ سواء، و قد جعلتهم الطبيعة في أسلوب واحد. و إذا ما أصبحنا عراة، فسترون أنّنا جميعاً متشابهون... لأنّ الفقر و الثراء هما اللذان يجعلاننا غير متساوين»[70]. إنّ وجهة النظر هذه، و هذه المناشدة لمساواة أخرى في «الطبيعة» يراد منهما إعادة تسليط الضوء على الصراع الاجتماعي الأساسي، الذي لا يوجد بين من يملكون أكثر و من يملكون أقل، و إنما بين من يمثلون المجتمع الطبقي، الشعب (populous)، و من يسعون لمجتمع بلا طبقات، العوام (plebs). و يجد ماكيافلّي نموذج هذا الشكل الأصلي من الصراع الاجتماعي في الجمهورية الرومانية الأولى و صراع أنظمتها، كما يُحوّل تفسيره هذا النموذج إلى تلك «اللحظة الماكيافلية»، التي تتكرّر خلال الأحداث الثورية للعصر الحديث.

يدافع كتاب (نقاشات حول ليفي) عن زعم أنّ «جميع القوانين التي تُسنّ لمصلحة الحرية تنشأ عن الانقسام» بين العوام (plebs) و النبلاء[71]. و لكن أيّ نوع من الصراع بين هذه الأجزاء المنتج لقانون عادل؟ و بدلاً من تكرار النقاشات الطويلة في الأدب عمّا إذا كان ماكيافلّي يفضل إعادة بناء نخبوية أو شعبوية للصراعات الاجتماعية الرومانية[72]، فإنّني أقترح تأمل نظرية أرنالدو موميغليانو (Arnaldo Momigliano) فيما يخصّ صراع الأنظمة الروماني[73]. لهذه النظرية ميزة فريدة في إعادة بناء الصراع من دون افتراض تفسير خاطئ تاريخياً للانقسامات الطبقية الموروثة من الكتابة التاريخية الرومانية في القرن التاسع عشر. و تقول فرضيتي إنّ رواية موميغليانو (Momigliano) تمثّل سمة خفية سابقاً لصراع الأنظمة، التي ربما تكون أيضاً ما جذب انتباه ماكيافلّي إلى هذا الشكل من الصراع الاجتماعي.

يقول موميغليانو (Momigliano) إن المجتمع الروماني القديم كان له تنظيم اجتماعي ثلاثي مؤلف من (patres) (الآباء) أو رؤساء العشائر، الذين يتمتعون بالولوج الحصري إلى السلطة (auctoritas)، و يشغلون جميع الوظائف الدينية خلال الحكم الملكي، إلى جانب ما يدعى المجندين (conscripti)، الذين يشكّلون جزءاً من مجلس الشيوخ لكنّهم يفتقرون إلى سلطة الآباء (patres)، و أخيراً، عملائهم. يشير مصطلح شعب (populous) في معناه الأصلي إلى جيش الملك، الذي كان مؤلفاً من الآباء (patres)، و المجندين (conscripti) و عملائهم. و في هذه الفترة المَلَكيّة للتاريخ الروماني، لم يكن وجود لـ«طبقة» العوام (plebs) التي تعارض الأرستقراطيين. إنّ اعتبار العوام (plebs) طبقة تتميّز بالاستغلال الاقتصادي و الرغبة في إعادة توزيع الثروات، كما يسخدم التعبير في علم الاجتماع في القرنين التاسع عشر و العشرين، هو بالضبط الانخراط في خطأ اختراع ما يدعوه موميغليانو (Momigliano) «ميتافيزيقا» العوام (plebs). و على وجه التحديد، يمكن القول إن أفراد الشعب (populous) وحدهم من يمثلون تركيباً طبقياً: فـ «الشعب» مكون من طبقات أو مراتب (classis) من المواطنين الذين يشكّلون معاً الجيش، و الذين ينتخبون قادتهم و يوافقون على القوانين المقدمة من مجلس الشيوخ عبر (Centuriate) أو مجلس الجيش. و وفق رواية موميغليانو (Momigliano)، إنّ العوام (plebs) ليسوا جزءاً من رتب الجيش، بمعنى أنّهم لم يشكّلوا أجزاء من الشعب (populous). و يقال إنّ العوام (plebs) هم طبقة دنيا (infra classem)؛ إذ يستبعدون من التقسيم الطبقي في المجتمع الروماني القديم. و هم، بحسب تعبير رانشير (Rancière)، جزء لا يتمتع بالمشاركة في الحكومة.

و تبدو حقيقة أنّ العوام (plebs) ليسوا طبقة أو مرتبة جوهرية لفهم طبيعة صراعهم مع الشعب (populous): و توضح هذه الحقيقة أنّه عندما ينظم العوام (plebs) أنفسهم سياسياً يظهرون نشاطهم على شكل قوة أساسية، و من ذلك أنّهم يؤسسون مجلساً تشريعياً مستقلاً هو مجلس العوام (plebs)، الذي يتخذ موقفاً معارضاً خلال كفاح الأنظمة كلّه لمجلس الجيش أو مجلس الشعب (populous). و مع الاعتراف التدريجي بقرارات مجلس العوام (الاستفتاءات العامة) بصفته يمتلك «قوة» القوانين الأرستقراطية، أصبح العوام (plebs) مندمجين في أفراد الشعب (populous) الرومانيين. و تكمن النقطة النظرية المهمّة في أنّ معارضة العوام لسلطة «الآباء» و الأرستقراطيين تتخذ شكلاً سياسياً أو دستورياً، عوض شكل عسكري، ما كان سيؤدّي إلى حرب أهلية (حرب لم يكن للعوام كسبها (plebs)؛ لأنّهم يفتقرون إلى الأسلحة و جيش خاص بهم)، و ذلك بالضبط لأنّ العوام (plebs) ليسوا جزءاً من جيش «الآباء»؛ أي بسبب عدم مشاركتهم في حكم الشعب (populous). و هنا يكمن الرابط الأساسي بين اللاحكم و سيادة القانون الذي سعى إليه لوفروت (Lefort) دون أن ينجح في ذلك. و قد حارب العوام (plebs) في الجيش، خلال الجمهورية الأولى، فقط في أوقات الطوارئ. و كان بالضبط خلال إحدى حالات الطوارئ هذه أنهم انسحبوا إلى هضبة أفنتين (Aventine)[74]*، و خاضوا «إضراباً عاماً»، رافضين الانضمام إلى «الآباء» دفاعاً عن روما إلى أن وافقوا على الاعتراف بالعوام بسلطة مساوية في تشريع القانون (و لكن ليس بحق مساوٍ في الحكم).

يرفض إضراب العوام العام الدعوة إلى «المنفعة المشتركة» و«إجماع القانون»، التي قال شيشرون (Cicero) إنّها حاسمة لدى الشعب (populous)، و لأنّ مترجمي القانون الإمبراطوري الروماني أواخر العصور الوسطى يستخدمونها لبناء سيادة الدولة و مذهب حالة الاستثناء الخاص بها. و بالنسبة إلى ماكيافلي، يولد القانون العادل؛ أي (‹قوانين الحرية›) فحسب من حالة استثناء العوام. و يكمن استثناء العوام (plebs) هذا من قوانين الشعب (populous) في أصل فكرة فصل سلطات الدولة ذاتها، و هو المبدأ الأساسي للدستورية الرومانية الجمهورية و الحديثة أو الرومانية الجديدة. فصل السلطات هذا ليس طريقة لتوحيد الدولة، و ليس تضميناً شعبوياً ‹لتحيز› العوام (plebs) الذي يؤدّي إلى كونية الشعب (populous) باستخدام تعبيرات لاكلو (Laclau)، لكنّه بوضوح طريقة لمقاومة الهيمنة القانونية و الدينية التي يمارسها الشعب (populous) و أنظمته العسكرية. إن القانون العادل ممكن بفضل شكل من المعارضة و الصراع اللذين يحدثان ضمن و خلال القانون نفسه؛ و هو ليس انعكاساً لإجماع بين الطبقات. و من خلال تطوير شكل جديد من السلطة السلبية، السلطة التي تنقض جميع أوامر القضاة الحكوميين (ius intercessionis)، و السلطة التي تقدم المساعدة لأي فرد من العوام (plebs) إذا ما حاكمه قاضٍ أرستقراطي (ius auxili)، و بتأسيس دين مضاد خاص بهم، ارتكز حول معبد سيريس (Ceres)[75]* (المتعلق بالآلهة اليونانية ديميتر Demeter[76]**) و طائفة الإله ديونيسوس Dionysus[77]***، إله الأحرار في معارضة للمعبد الأرستقراطي للإله (Jupiter)، يشكّل دستور العوام حالة مضادة ضمن الدولة. تفهم سياسة العوام الدستور و تقسيمه للسلطات بأنّه هو ما يتيح وجود حياة سياسية تكمن «خارج» سيادة الدولة، و تضع تحقيق قانون عادل فوق تحقيق نظام وحدوي.

يكتب موميغليانو (Momigliano) أن إضراب العوام (plebs) العام، الذي عارض «عدالة الأنظمة الأرستقراطية»، تلقى مع ذلك «تقديس الآلهة»[78]. و في تفسيراته للمؤسسات القانونية الرومانية، يضع أغامبن (Agamben) علاقة داخلية بين قدسية منابر العوام و حالة الاستثناء السيادية[79]. و تساعد فكرة موميغليانو (Momigliano) عن قدسية سلطة العوام الأساسية في معادلة تفسير أغامبن (Agamben) حول الإنسان المقدس (homo sacer) كتأكيد للسيادة؛ لأنها تشير إلى أنّ قدسية العوام، في السياق الروماني القديم، سمة لحالة استثناء العوام، و ليست حالة الاستثناء الخاصة بمجلس الشيوخ. و حين انسحب العوام (plebs) الرومانيون من النظام الاجتماعي الملكي الروماني، و تراجعوا إلى هضبة أفانتين (Aventine Hill)، أصدروا قراراً بأنّ كلّ من يهاجم ممثليهم (المنابر) سيصبح عرضة للقتل، من دون أن يرتكب القاتل جريمة قتل، و لكن على حدّ سواء من دون حدوث تضحية (بحياة بريئة في عبادة الآلهة). هذا العقاب بالقتل يدعى القتل المقدس (sacratio)؛ الذي يمكن أن يُقتل بهذه الطريقة هو الإنسان المقدس (homo sacer). و ربّما كان تعبير موميغليانو (Momigliano) عن «تقديس الآلهة» يشير إلى هذا السياق القانوني السياسي.

يرى أغامبن (Agamben) أنّ ممارسة القتل المقدس (sacratio) سمة السيادة؛ لأنها تضع الأفراد المدانين خارج القوانين البشرية و الإلهية معاً، بحيث يمكن قتلهم بحصانة[80]. و لكن حين يقوم أحد العوام (plebs) الذي انفصل عن الشعب (populous) أو المجتمع السياسي المنظم حول «الآباء» فإنه بذلك (بممارسة القتل المقدس: sacratio) يفتقر تماماً، تقنياً، إلى شرعية إصدار قوانين من أيّ نوع، و هو ما يوضح لماذا يأتي تشريع قوانينهم من (لا) مكان، الذي يكمن خارج كلّ من قوانين الشعب (populous) المدنية و الدينية. إنّ أي شيء يَعدّه العوام (plebs) «جريمة» ضد رغبتهم في تنفيذ قانون عادل لا يمكن أن يعاقب عليه كونه خرقاً للقوانين المدنية أو الدينية. بمعنى آخر، من المنطقي أن ممارسة العوام للقتل المقدس (sacratio) تنشأ في حالة يكون فيها ما يجب حمايته و ما يجب قتله مخالفاً لما يقترحه أغامبن (Agamben): إنّ الإنسان المقدس (homo sacer)، عدو الشعب المنشق، هو في النهاية الملك الروماني، الذي أصبح مستبداً، و كل من يمثل مصالحه، و سيبدو القتل المقدس (sacratio) أحد أول نماذج ما دعاه التقليد السياسي الغربي، منذ ذلك الحين، الحق في الثورة أو الحق في التمرد. باختصار، سيكون أول رمز للتسويغ الجمهوري لقتل الملك. إنّ حالة الاستثناء التي هي حقيقية وثورية في آنٍ واحد هي التي ألغت السيادة من الحياة السياسية باسم القانون العادل. لذلك فإنّ «قوانين الحرية»، التي تهم العوام، تظهر في حالة استثناء نظام الدولة مثل إتاحة فضاء لخلق قانون عادل. و على العكس، إنّ سيادة الاستثناء تستثني القانون العادل باسم ترسيخ نظام الدولة.

الخاتمة: الديمقراطية بوصفها دولة القانون (Kratos)

يروي موميغليانو (Momigliano) الأسطورة التي تذكّر[81] بأن ممثلي العوام (plebs) الرومانيين سافروا إلى أثينا ليتعلموا من أبناء الشعب (demos) ممارسة سن القوانين (لأنّهم لم يريدوا تقليد التشريع الأرستقراطي). هل أراد العوام (plebs) أن يعيدوا إلى روما (isonomia) (السيادة الشعبية) لنظرائهم الأثينيين[82]؟ و لكن، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ألحوا حينئذٍ على (aequum ius) (حرية مكافئة في تحديد القانون)؟ على أيّة حال، إن هذا الولوج المساوي إلى القانون، على الرغم من أن «الترجمة» اللاتينية لكلمة (isonomia) اليونانية (ولوج مساوٍ إلى الحكم)، ليس بالتأكيد مرادفاً له؛ لأن «مفهوم الشأن العام (res publica) يسلّم بأنّ لكلّ مواطن نصيباً عادلاً في المنفعة العامة؛ و يسلّم بمشاركة الشعب في شؤون الدولة؛ و يسلّم كذلك بأن الحكومة يجب أن تكون للشعب؛ لكنّه لا يتضمن بالضرورة مبدأ الحكومة عن طريق الشعب»[83]. ما الذي عاد به العوام (plebs) فعلاً من أثينا، إن لم تكن الرغبة في الهيمنة؟ و كيف يمكن للمرء أن يشارك في المنفعة العامة من دون حكم الآخرين؟

يمكن استنتاج جزء من الجواب إذا ما استعاد المرء دفاع شيشرون (Cicero) عن حالة الاستثناء الأرستقراطي، عبر الدعوة إلى القانون الطبيعي، الذي يستند إلى تفسير الجمهورية الرومانية وفقاً للصيغة: «راحة مع الكرامة» (otium cum dignitate)[84]. وفقاً لهذه الصيغة، يجب أن توفر الجمهورية السلام و النظام للعوام (otium)، و تترك «كرامة» تبوأ منصب سياسي إلى مراتب المجتمع الأكثر نبلاً. إن نسبة «الراحة» (otium) إلى العوام (plebs) ليست محاولة لحرمانهم من الولوج إلى الوظائف، و إلى ممارسة سلطة مدسترة، قدرَ ما هي محاولة لحرمانهم من فرصة لممارسة سلطتهم الأساسية. إنّ نقد ماكيافلّي اللاذع في كتاب (نقاشات حول ليفي) 2، الفصل 2 من (ozio) (الراحة، الكسل)، الذي يمنع الشعب من العيش سياسياً، هو تفنيد لفهم شيشرون (Cicero) للجمهورية، ذلك أنّ ماكيافلّي يحدّد أصول انسحاب الشعب من حياة العمل ليس في روحانية المسيحية فحسب، و لكن في التوسّع الإمبريالي للجمهورية الرومانية أيضاً الذي أوصله إلى غايته مع القيصر. و ربما ما كان يبحث عنه العوام في أثينا كان طريقة للمشاركة في الحياة السياسية للشعب التي تنكر «السلام و النظام» (لاحقاً «الخبز و الاحتفالات») اللذين قدمهما لهم النبلاء، و لكن مع ذلك من دون إجبارهم على أخذ مكان النبلاء، و من ثَمَّ ممارسة نوعية سلطتهم و حكمهم (auctoritas وimperium).

إذا كان هذا منطقياً، فآنذاك يستطيع المرء القول إنّه كان بإمكان العوام (plebs) الرومانيين في أثينا أن يتعلموا أحد معاني الديمقراطية (demokratia) الأصلية، التي لم تَعدّ العامة (demos) أبداً جزءاً أساسياً من المدينة (polis). لقد أراد العامة (demos) المشاركة في الحياة السياسية بشكل خاص على أساس الطاقة و الإمكانية (kratos) التي تعرضهما لإحداث مؤسسات قانونية؛ أي بسبب ما يدعى اليوم سلطة أساسية، و ليس بسبب قدرتهم على الحكم أو «قيادة» سفينة الدولة[85]. و بحسب أوبر (Ober)، أطلق العامة (demos) على سلطة تشريع القوانين هذه تعبير (kratos) لتمييزها عن الاسم المعطى للسلطة الذي تحمله الأجزاء الأساسية من المدينة (polis)؛ أي القدرة على الحكم (archein)، و هي سلطة تميز الحكومات المَلَكِيّة و حكام الأقلية. بمعنى آخر، كان بإمكان العوام (plebs) الرومانيين أن يتعلموا أن الديمقراطية الأثينية لم يُقصد بها أبداً أن تكون شكلاً من حكومة أو نظام حيث يتمتع الشعب بالسلطة كي يحكم باعتباره جزءاً أساسياً من المدينة. و بالعكس، توجد الديمقراطية فقط في ذلك النظام حيث القدرة على الحكم (archein) يمكن إلغاؤها بسلطة التشريع (kratos)، لمن لا دور لهم في نظام الشعب (populous) و سلطته السيادية[86]. و بهذه الطريقة، قد تستعيد الديمقراطية «لقبها الفوضوي»، الذي عَدَّه رانشير (Rancière)، مؤخراً و بشكل ملائم، السمة الحاسمة لأية ديمقراطية أصيلة: «اللقب الباقي الوحيد [خارج المجتمع الطبقي] هو اللقب الفوضوي، اللقب المخصص لمن ليس لهم حق في الحكم أكثر مما لهم في كونهم محكومين. و هذا هو ما تعنيه الديمقراطية من بين جميع الأمور. إنّ الديمقراطية ليست نوعاً من الدستور، و لا شكلاً من المجتمع... إنها ببساطة السلطة الخاصة بمن لا تخويل لهم للحكم أكثر من الخضوع»[87].

لقد فهم العوام (plebs) الرومانيون أنّ قدرتهم الأساسية على تشريع قانون عادل كانت الحماية الوحيدة لديهم ضد قوة الحكومة و سلطتها: كان أمد الحكومة الذي حدّده مثل هذا النشاط الأساسي الشرط الوحيد الذي يمكن فيه تأسيس جمهورية حقيقية. هذه القدرة على تشريع القانون تخص العوام (plebs) قدرَ ما تحافظ على نفسها بوصفها الجزء الذي لا يشارك في الحكم ما دام يحمي الفارق بين قانون العوام (plebs) و نظام الشعب (populous). تحلّ قراءة سياسة العوام هذه المشكلة التي أشرت إليها في البداية مع لوفورت (Lefort)، الذي كان عليه التخلي عن الفكرة ذاتها لمجتمع غير طبقي؛ لأنه كان عاجزاً عن التفكير في مثل هذا المجتمع سوى تحت رمز وحدة شعب «شمولي». و يشير العوام في علاقة بالقراءة المقترحة هنا (plebs) إلى ذلك الترابط المنفتح و المتقلب لدى من لا يريدون أيّ دور في مجتمع طبقي. إنّ سياسة العوام هي «حالة استثناء»، لكنها سياسة يؤخذ فيها «الاستثناء» إلى التنظيم المرتب للشعب (populous) (الذين دائماً ما يسعون إلى تحويل المنفعة العامة إلى احتياطي عسكري و مالي)، و حيث تشير «الحالة» إلى مكانة العوام (plebs) في امتلاك حق «طبيعي» لحرية عادلة.

يمكن حل النزاع بين اتجاهيّ الجمهورياتية و الشعبوية عن طريق التمسك بالفارق الحاسم بين القدرة على الحكم (archein) و إمكانية الحكم (kratos)، أي بين كفاح من أجل السلطة الأساسية لحكم الآخرين، و كفاح من أجل السلطة الأساسية كي لا تكون محكوماً. و قدرَ ما تتصور النظرية الشعبوية مساواة الشعب (populous) و العوام (plebs) من خلال قبول شروط الشعب (populous)؛ أي بفهم الصراع بين العوام (plebs) و النخب على أنه صراع بين طبقتين متناقضتين، و من ثَمَّ نسيان معنيي سلطة الشعب، و رواياته عن سياسة العوام، ستحتاج دائماً إلى الاستعانة برمز الممثل السيادي و حالة الاستثناء التي تخصه. و في الحالة الأخيرة، كما أظهرتُ في هذا المقال، يثبت هذا المنطق الشعبوي بأنّه شكل مختلف من منطق الدولة. و بالعكس، إذا كانت مساواة الشعب (populous) و العوام (plebs) مفهومة بالتعبيرات الدستورية التي رسختها حالة استثناء العوام، مثل سيادة القانون التي تلغي الفارق بين الحاكمين و المحكومين، فإنّ منطق العوام قد يتفق من جديد مع تأييد الآلهة و ليس ببساطة مع تأييد كاتو (Cato)[88]*.

كلمات شكر:

جرت قراءة النسخ السابقة لهذا المقال في مؤتمر «ماكيافلّي: مؤتمر الفلسفة و البلاغة و التاريخ»، جامعة ييل، بين (17-18) تشرين الأول (2008)؛ في المؤتمر الدولي: (XVI Semana de Ética y Filosofia Politica, Pasado, Presente y Futuro de la Democracia, Universidad de Murcia، 20-30 نيسان 2009)؛ و في اجتماع (APSA) السنوي، تورنتو، (3-6) أيلول (2009). أشكر المنظمين و المشاركين في هذه الوقائع على انتقاداتهم المثمرة، بالإضافة إلى سام تشيمبرز (Sam Chambers)، و المراجعين على اقتراحاتهم المفيدة. لقد خرج هذا المقال إلى الوجود بفضل منحة بحثية مقدمة من مؤسسة (Fondecyt) الحكومية في تشيلي المنحة رقم (1071087).

الهوامش:

1. فيما يتعلّق بمناقشتي تصورات أوغسطين (Augustine) حول الشعب، اعتمدتُ على قراءة مذكورة في كتاب هيكنغ (Heyking) (1999)، أظهرت التحوّل المهم نحو الحب بوصفه أساسياً في دستور الشعب. انظر أيضاً كتاب سميث (Smith) (2005). لا يعتمد هيكنغ (Heyking) على مفهوم فوكو (Foucault) حول القوة الرعوية لفهم فكرة أوغسطين (Augustine) عن الشعب.

2. لمعالجة حديثة للموضوع الذي يناقش بأنّ تعاطف ماكيافلّي النهائي توسّع إلى تشيومبو (Ciompo) و برنامجه عن الثورة الاجتماعية بدلاً من برنامج ميشيل دي لاندو (Michele di Lando)، الذي لا يتخطى في النهاية حدود التيار الجمهوري النقابي، انظر كتاب ونتر (Winter) (2009).

للاطلاع على الملف كاملا المرجو الضغط هنا

_______________________________________________________________

المصادر والمراجع:

Abensour, M. (1994) Démocratie sauvage et principe d0anarchie, Les Cahiers de la philosophie (Lille) 18: 125–149.

Abensour, M. (2010) Democracy Against the State: Marx and the Machiavellian Movement, Oxford, Blackwell.

Agamben, G. (1993) Coming Community, Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.

Agamben, G. (1998) Homo Sacer, Sovereign Power and Bare Life, Translated by D. Heller-Roazen. Stanford, CA: Stanford University Press.

Agamben, G. (2000) Means without End, Notes on Politics, Translated by V.B.C. Casarino. Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.

Agamben, G. (2003) État d›exception, Paris, Seuil.

Agamben, G. (2007) Profanations, New York, Zone Books.

Althusser, L. (2001) Machiavelli and Us, London, Verso.

Arendt, H. (1990) On Revolution, New York, Penguin.

Augustine, S. (1984) The City of God, Translated by J. O›Meara, New York, Penguin.

Augustine, S. (2006) On Order, Translated by S. Borruso, South Bend, IN: St. Augustine›s Press.

Badiou, A. (2010) The Communist Hypothesis, London, Verso.

Barthas, J. (2010) Machiavelli in political thought from the age of revolutions to the present. In: J. Najemy (ed.), The Cambridge Companion to Machiavelli, New York, Cambridge University Press.

Bellamy, R. (2007) Political Constitutionalism, Cambridge, Cambridge University Press.

Berman, H. (1983) Law and Revolution, The Formation of the Western Legal Tradition. Cambridge, Harvard University Press.

Bock, G. (1990) Civil discord in Machiavelli's Istorie Fiorentine. In: G. Bock, Q. Skinner and M. Viroli (eds.), Machiavelli and Republicanism, Cambridge, Cambridge University Press.

Chambers, S.A. (2010) Police and oligarchy. In: J.-P. Deranty (ed.), Jacques ‹Rancière: Key Concepts, London, Acumen.

Coby, P.J. (1999) Machiavelli's Romans, Liberty and Greatness in the Discourses on Livy, Lanham, MD: Lexington Books.

Connolly, J. (2007) The State of Speech: Rhetoric and Political Thought in Ancient Rome, Princeton, NJ: Princeton University Press.

Cornell, T.J. (1995) The Beginnings of Rome, London, Routledge.

Flynn, B. (2006) The Philosophy of Claude Lefort, Interpreting the Political, Evanston, IL: Northwestern University Press.

Fontana, B. (2003) Sallust and the politics of Machiavelli, History of Political Thought 24(1): 86–108.

Foucault, M. (2000) Power. Essential Works of Foucault 1954–1984, J. Faubion (ed.), Vol. 3, New York, The New Press.

Foucault, M. (2004) Sécurité, Territoire, Population. Cours au Collège de France. 1977–1978, Paris, Gallimard Seuil.

Fubini, R. (1992) From social to political representation in renaissance Florence. In: K.R. Anthony Molho and J. Emlen (eds.), City States in Classical Antiquity and Medieval Italy, Ann Arbor, MI: University of Michigan Press.

Gregory, E. (2008) Politics and the Order of Love: An Augustinian Ethic of Democratic Citizenship, Chicago, IL: University of Chicago Press.

Grossi, P. (2004) L›ordine giuridico medieval, Bari, Italy, Laterza.

Hankins, J. (2010) Exclusivist republicanism and the non-monarchical republic, Political Theory 38(4): 452–482.

Heyking, J.v. (1999) A headless body politic? Augustine›s understanding of a populus and its representation, History of Political Thought 20(4): 499–567.

Heykind, J.v. (2001) Augustine and Politics as Longing in the World. Columbia, MO: University of Missouri Press.

Kalyvas, A. (2000) Hegemonic sovereignty: Carl Schmitt, Antonio Gramsci and the constituent prince, Journal of Political Ideologies 5(3): 343–376.

Kalyvas, A. (2009) Democracy and the Politics of the Extraordinary: Max Weber, Carl Schmitt and Hannah Arendt, New York, Cambridge University Press.

Kapust, D. (2004) Skinner, Pettit and Livy: The conflict of the orders and the ambiguity of republican liberty, History of Political Thought 25(3): 377–401.

Laclau, E. (2005) On Populist Reason, London, Verso.

Laclau, E. and Mouffe, C. (2001) Hegemony and Socialist Strategy: Towards a Radical Democratic Politics, London: Verso.

Lefort, C. (1978) Sur une colonne absente. E´crits autour de Merleau-Ponty, Paris, Gallimard.

Lefort, C. (1979) Éléments d›une critique de la bureaucratie, Paris, Gallimard.

Lefort, C. (1986a) Le travail de l›oeuvre Machiavel, Paris, Gallimard.

Lefort, C. (1986b) The Political Forms of Modern Society, Cambridge, MA: MIT Press.

Lefort, C. (1992) Écrire. À l›épreuve du politique, Paris, Calmann-Lévy.

Linera, Á .G. (2009) La potencia plebeya, La Paz, CLACSO.

Machiavelli, N. (1988) Florentine Histories, Translated by L.F. Banfield and H.C. Mansfield, Princeton, NJ: Princeton University Press.

Machiavelli, N. (1996) Discourses on Livy, Translated by N. Tarcov and H. Mansfield, Chicago, IL, University of Chicago Press.

Machiavelli, N. (1998) The Prince, Translated by H.C. Mansfield. Chicago, IL: University of Chicago Press.

Magdelain, A. (1990) Jus Imperium Auctoritas. Études de droit romain, Rome: École Francaise de Rome.

Marchart, O. (2007) Post-Foundational Political Thought: Political Difference in Nancy, Lefort, Badiou and Laclau. Edinburgh, UK: Edinburgh University Press.

Markell, P. (2006) The rule of the people: Arendt, Arche, and democracy, American Political Science Review 100(1): 1–14.

May, T. (2010) Contemporary Political Movements and the Thought of Jacques ‹Rancière: Equality in Action. Edinburgh, UK: Edinburgh University Press.

McCormick, J. (2006) Contain the wealthy and patrol the magistrates: Restoring elite accountability to popular government, American Political Science Review 100(2): 147–163.

McCormick, J.P. (2007) Machiavelli›s political trials and the ‹free way of life›, Political Theory 35(4): 385–411.

McCormick, J.P. (2011) Machiavellian Democracy, New York, Cambridge University Press.

Mitchell, R.E. (1990) Patricians and Plebeians. The Origin of the Roman State. Ithaca, NY: Cornell University Press.

Momigliano, A. (ed.), (1984) Prolegomena a ogni futura metafisica sulla plebe romana. In: Sui fondamenti della storia antica, Turin, Italy: Einaudi.

Momigliano, A. (ed.), (1989) Osservazioni sulla distinzione fra patrizi e plebei. In: Roma Arcaica. Florence, Italy: Sansoni.

Najemy, J. (2000) Civic humanism and Florentine politics. In: J. Hankins (ed.), Renaissance Civic Humanism, Cambridge, Cambridge University Press.

Nasstrom, S. (2007) The legitimacy of the people. Political Theory 35(5): 624–658.

Nederman, C.J. (2004) Rhetoric, reason and republic – Republicanisms: Ancient, medieval, and modern. In: J. Hankins (ed.), Renaissance Civic Humanism. Reappraisals and Reflections, Cambridge, Cambridge University Press.

Nederman, C.J. (2009) Lineages of European Political Thought: Explorations along the Medieval/Modern Divide from John of Salisbury to Hegel, Washington DC: Catholic University of America Press.

Negri, A. (1999) Insurgencies: Constituent Power and the Modern State. Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.

Ober, J. (2008) The original meaning of ‹democracy›: Capacity to do things, not majority rule. Constellations 15(1): 3–9.

O›Donnell, G. (2007) Dissonances: Democratic Critiques of Democracy. Notre Dame, IN: University of Notre Dame Press.

Ostwald, M. (1989) From Popular Sovereignty to the Sovereignty of Law: Law, Society and Politics in Fifth-century Athens. Berkeley, CA: University of California Press.

Pettit, P. (1997) Freedom and antipower. Ethics 106: 576–604.

Pettit, P. (2009a) Law and liberty. In: S. Besson and J.L. Martı´ (eds.), Law and Republicanism, Oxford, Oxford University Press.

Pettit, P. (2009b) The power of a democratic public. In: R. Gotoh and P. Dumouchel (eds.), Against Injustice: The New Economics of Amartya Sen, Cambridge, Cambridge University Press.

Post, G. (1964) Studies in Medieval Legal Thought: Public Law and the State 1100–1322, Princeton, NJ: Princeton University Press.

Raaflaub, K. (ed.), (2006) Social Struggles in Archaic Rome, New Perspectives on the Conflict of Orders. Oxford: Wiley-Blackwell.

Raaflaub, K., Ober, J. and Wallace, R. (eds.), (2007), Origins of Democracy in Ancient Greece. Berkeley, CA: University of California Press.

Rancière, J. (1995a) La Mésentente. Politique et Philosophie. Paris: Galilée.

Rancière, J. (1995b) On the Shores of Politics, London, Verso.

Rancière, J. (2009) Hatred of Democracy, London, Verso.

Rosanvallon, P. (2006) La contre-démocratie. La politique à l›age de la defiance, Paris, Éditions du Seuil.

Rubinstein, N. (2004) Studies in Italian History in the Middle Ages and the Renaissance. In: G. Ciappelli (ed.), Vol. 1. Rome: Edizioni di Storia e Letteratura.

Schmitt, C. (2008) Political Theology II. The Myth of the Closure of any Political Theology, Cambridge, Polity Press.

Sfez, G. (1998) Machiaveli, le prince sans qualités, Paris, Kimé.

Skinner, Q. (1978) The Foundations of Modern Political Thought. Vol. II. The Age of Reformation, Cambridge, Cambridge University Press.

Skinner, Q. (2002) Visions of Politics. Vol. 2. Renaissance Virtues, Cambridge, Cambridge University Press.

Smith, T.W. (2005) The glory and tragedy of politics. In: K. Hughes, J. Doody and K. Paffenroth (eds.), Augustine and Politics, Oxford: Lexington Books.

Sullivan, V. (1996) Machiavelli›s Three Romes. De Kalb, IL: Northern Illinois University Press.

Vatter, M. (2000) Between Form and Event: Machiavelli›s Theory of Political Freedom. Dordrecht, The Netherlands and Boston, MA: Kluwer Academic Publishers.

Vatter, M. (2005) Pettit and modern republican political thought. In: M. Williams and S. Macedo (eds.), NOMOS XLVI Political Exclusion and Domination, New York, New York University Press.

Vatter, M. (2007) Resistance and legality: Arendt and Negri on constituent power. In: T. Murphy and A.K. Mustapha (eds.), The Philosophy of Toni Negri, Vol. 2. London: Pluto Press.

Vatter, M. (2008) The idea of public reason and the reason of state. Schmitt and Rawls on the political, Political Theory 36(2): 239–271.

Villacañas Berlanga, J.L. (2010) The liberal roots of populism: A critique of Laclau. New Centennial Review 10(2): 151–182.

Voegelin, E. (1952) The New Science of Politics, Chicago, IL: University of Chicago Press.

Winter, Y. (2009) Anonymous violence: Machiavelli and the Ciompi uprising. Unpublished paper read at American Political Science Association Annual Meeting, 3–6 September, Toronto.

Wirszubski, C. (1950) Libertas as a Political Idea at Rome during the Late Republic and the Early Principate, Cambridge, Cambridge University Press.

Zancarini, J.-C. (2004) La révolte des Ciompi. Machiavel, ses sources et ses lecteurs, Cahiers philosophiques 97: 9-22

[1] - مجلة النظرية السياسية المعاصرة (2012) 11, 242-263 doi :10.1057/cpt 2011.25؛ نشرت على الإنترنت في 11 تشرين الأول 2011

[2]  - (Pettit, 1997, 2009a, b)

[3] - (O'Donnell, 2007)

[4] - (McCormick, 2006؛ Bellamy, 2007)

[5] - (Kalyvas, 2009؛ Linera, 2009)

[6] - (Rancière, 1995a؛ Agamben, 2000)

[7] *- نيكولو ماكيافلّي (1469-1527) فيلسوف سياسي إيطالي من عصر النهضة. يُعدّ الشخصية الرئيسة والمؤسسة للتنظير السياسي الواقعي. و أشهر كتبه (الأمير)، الذي يتضمن تعليمات سياسية مفيدة للحكام، و يُعرف الكتاب بنظرته القائلة إنّ السياسة لا علاقة لها بالأخلاق، و إنّ كل وسيلة، مهما تكن لا أخلاقية أو غير قويمة، مُسَوَّغة بغية تحقيق السلطان السياسي. (المترجم)

[8] - (Althusser, 2001)

[9] - (Laclau, 2005؛ McCormick, 2006, 2007)

[10] - (McCormick, 2011)

[11] - (Lefort, 1986 a؛ Arendt, 1990؛ Vatter, 2005؛ Markell, 2006؛ Rosanvallon, 2006؛ Rzanciére, 2009؛ Abensour, 2010)

[12] - (Barthas, 2010)

[13] - (Foucault, 2000, صفحة 417)

[14] *- القديس أوغُسْطين (354-430): لاهوتي و فيلسوف كاثوليكي حاول التوفيق بين الفكر الأفلاطوني و العقيدة المسيحية. (المترجم)

[15] - (Lefort, 1986a؛ Sfez, 1998؛ Flynn, 2006؛ Marchart, 2007)

[16] - (ماكيافلي، 1998؛ ماكيافلي، 1996، 1، الفصل 5)

[17] - (Lefort, 1986a، صفحة 555)

[18] - (Lefort, 1986a، الصفحتان 303-304)

[19] - (Lefort, 1978، صفحة 44؛ Lefort, 1979، صفحة 23؛ Lefort, 1986a، الصفحتان 203-304؛ Abensour, 1994؛ Nasstrom, 2007)

[20] - (Lefort, 1986b، الصفحتان 297-298)

[21] - (Lefort, 1986a، الصفحات 411-417)

[22] - (ماكيافلي، 1996، 1، الفصل 4)

[23] - (Lefort, 1986a، صفحة 477؛ 1992، صفحة 168)

[24] - (Lefort, 1992، صفحة 175)

[25] - (Lefort, 1986a، صفحة 601)

[26]- (Negri, 1999؛ Kalyvas, 2000؛ Laclau, 2001 وMouffe؛ Vatter, 2007)

[27] - (Villacañas Berlanga, 2010)

[28] - (1995a)

[29] - (May, 2010)

[30]- (Laclau, 2005، صفحة 158)

[31] - (Laclau, 2005، صفحة 93)

[32] - (Laclau, 2005، صفحة 100، التأكيد لي)

[33] - (Schmitt, 2008، صفحة 72)

[34] - (Voegelin, 1952، صفحة 1)

[35] - (Voegelin, 1952، صفحة 37 وما بعدها)

[36]- (Voegelin, 1952، صفحة 41)

[37] - (Laclau, 2005، الصفحتان 97-96)

[38] *- ماركوس توليوس شيشرون (106-43 ق.م): سياسي و خطيب روماني متميز. تُعدُّ خطبه آية في البلاغة اللاتينية، كما يُعدُّ الجسر الذي عَبْرَه وَصَلَنا جزءٌ من الفلسفة اليونانية. (المترجم)

[39] - (مقتبس في Augustine، 1984, 19، الفصل 21)

[40] - (Magdelain, 1990؛ Mitchell, 1990؛ Cornell, 1995؛ Raaflaub, 2006)

[41] - (Foucault, 2004، الصفحة 187)

[42] - (Augustine, 1984، 19، الفصل 21)

[43]- (Heykind, 2001؛ Gregory, 2008)

[44] - (Augustine, 1984، 19، الفصل 23)

[45] - (Augustine, 1984, 19، الفصل 24)

[46] - (Heyking, 1999، الصفحات 562-564؛ Augustine, 2006، 2، الفصل 18، القسم 24)

[47] - (Fubini, 1992، صفحة 226؛ Najemy, 2000)

[48] - (Fubini, 1992، صفحة 229)

[49] - (Fubini, 1992، صفحة 233)

[50] - (Post, 1964؛ Berman, 1983؛ Vatter, 2008)

[51] - (Skinner, 1978؛ Rubinstein, 2004، الصفحات 99-130، 365-381؛ Nederman, 2009)

[52] - (Grossi, 2004)

[53] - (1، الفصول 1-18)

[54] - (ماكيافلي، 1988، 2، الفصل 12)

[55] - (ماكيافلي، 1988، 3، الفصل 1)

[56] - (ماكيافلي، 1988، 3، الفصل 1)

[57] - (ماكيافلي، 1988، 3، الفصل 5)

[58] *- إشارة إلى ثورة تشيومبي الشعبية التي قامت في فلورنسا في العصور الوسطى المتأخرة، و ثار فيها عمال و أصحاب مهن إيطاليون عرفوا باسم تشيومبي في العام 1378، و استمرت ثورتهم حتى عام 1382 للمطالبة بصوت لهم في إدارة البلدية. و قد تركت حركتهم هذه أثراً كبيراً في تاريخ فلورنسا للأجيال اللاحقة. (المترجم)

[59] - (ماكيافلي، 1988، 3، الفصل 12)

[60] - (Bock, 1990، صفحة 193 وما بعدها؛ Zancarini, 2004)

[61] - (1، الفصل 5)

[62] - (4، الفصل 14)

[63] - (ماكيافلّي، 1988، 3، الفصل 5)

[64] - (ماكيافلّي، 1988، 3، فصل 13)

[65] - (Skinner, 2002؛ Nederman, 2004؛ Connolly, 2007؛ Hankins, 2010)

[66] - (Augustine, 1984, 19، الفصل 21)

[67] - (Wirszubski, 1950، صفحة 83؛ Cicero, De Leg. 2، 8-9, 13؛ 2، 1؛ 1، 28؛ De Rep. 3، 3)

[68] - (Wirszubski, 1950، الصفحات 83-85)

[69] - (Agamben, 2003)

[70] - (ماكيافلّي، 1988، 3، الفصل 13)

[71] - (ماكيافلّي، 1996، 1، الفصل 4)

[72] - (Sullivan, 1996؛ Coby, 1999؛ Vatter, 2000؛ Fontana, 2003؛ Kapust, 2004؛ McCormick, 2011)

[73] - (Momigliano, 1984, 1989)

[74] *- واحدة من هضاب روما السبع التي بنيت فوقها المدينة القديمة. (المترجم).

[75] *- إلهة الزراعة عند الرومان. (المترجم).

[76] **- إلهة الطبيعة و النبات و الفلاحة عند الإغريق. تعد من كبار الآلهة، و يقال إن عبادتها تزيد من منتوجات المحاصيل، و إنها إذا غضبت تفقد الأرض خصوبتها، و لهذا كانوا يحرصون على إرضائها. (المترجم).

[77] ***- ديونيسوس أو باخوس في الميثولوجيا الإغريقية هو إله الخمر عند الإغريق و ملهم طقوس الابتهاج و النشوة. (المترجم).

[78] . (Momigliano, 1989، الصفحة 219)

[79] - (Agamben, 1998؛ Agamben, 2000, 2003)

[80] - (Agamben, 1998، الصفحة 82)

[81] - (Livy 3، الفصل 31، القسم 8)

[82]- (Ostwald, 1989؛ Raaflaub وآخرون، 2007)

[83] - (Wirszubski, 1950، الصفحة 14)

[84] - (Cicero، Pro Sestio 98)

[85] - (Ober, 2008)

[86] - (Rancière, 1995b؛ Chambers, 3010)

[87] - (Rancière, 2009، الصفحة 46)

[88] *- ماركوس بورسيوس كاتو (95 ق.م-46 ق.م)، ويطلق عليه عادة كاتو الأصغر (تفريقاً له عن جده كاتو الأكبر). كان سياسياً و خطيباً بارزاً، و أحد رواد الفلسفة الرواقية. و قد اشتهر بعدائه ليوليوس قيصر الذي قاده إلى حتفه، و برفضه الرشاوى، و بمحاربته الفساد الذي كان سائداً في أيامه. (المترجم)

الرابط : https://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B2%D8%A7%D8%B9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-7760

قراءة 783 مرات آخر تعديل على الخميس, 09 كانون1/ديسمبر 2021 11:30

أضف تعليق


كود امني
تحديث