قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 24 تموز/يوليو 2021 09:27

قصة سمكتين

كتبه  الدكتورة أسماء الرويشد
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بسم الله الرحمن الرحيم




المشهد الأول

تحت أمواج البحار..و بين الشعاب المرجانية..

عالم يموج بالحياة.. ألوانٌ شتّى من مخلوقات الله تسبح يمنةً و يسرة تبحث عن رزقها و قوت يومها..

و بين تلك الشعاب سمكتان توثّقت بينهما رابطة الصداقة منذ الطفولة على الرغم من اختلافهما في كل شيء.. فالسمكة (غيداء) اشتهرت بين أقرانها بجمالها الباهر.. أما السمكة (لبيبة) فلم يكن لها ذلك الحظ الوافر من البهاء و الروعة كما لدى صاحبتها.. إلا أن الله عوضها عن ذلك بذكاء و فطنة.

و في صباح يوم هادئ، خرجت السمكتان كعادتهما تتجولان بين الصخور و الشعاب.. فإذا بهما تشعران بحركة و اضطراب في مياه البحر.. ثم أعقبه هدوء نسبيّ يتخلّله صوت حلقات المياه المتراجعة التي سبّبها ذلك الاضطراب.. و كان سبب ذلك الصخب اقتراب أحد القوارب الكبيرة..

توقّف القارب بعد دقائق بالقرب من الشعاب.. و مرت لحظات من الصمت الثقيل قطعها صوت ارتطام جسم غاص في الأعماق بسرعة.. كان ذلك الجسم قطعة من المعدن اتصل بها خيط رفيع يمتد إلى السطح.. و هناك فرعٌ آخر لذلك الخيط كان يحتوي على طُعم للأسماك..

نظرت السمكة (غيداء) إلى الطعام أمامها فلم تتمالك نفسها من الاندفاع نحوه للفوز به.. لكن السمكة (لبيبة) أسرعت نحوها و استوقفتها قائلة:

- ما بك يا مجنونة؟ إلى أين تريدين أن تذهبي؟

- إلى الطعام بالطبع، أتريدين أن تمنعيني من رزقٍ, ساقه الله إلي؟

- لا تنخدعي بالمظاهرº إنه فخُّ محكم لك و لأمثالك

- أي فخٍّ, تتكلمين عنه، ذاك طعامٌ شهيّ و فرصة لا تعوّض

- لا تتعجّلي في الحكم على الأمور، إنك لا تدرين ما الذي سيصيبك لو حاولت الحصول على ذلك الطعام، سيعلق الخيط بك، و ستحاولين التخلّص منه دون جدوى، ثم ستودّعين مملكتنا إلى عالم قاسٍ, و رهيب، فهناك فوق السطح صيّادٌ من بني البشر ينتظر قدومك بشغف، ليس حبّاً فيكِ، و لكن رغبةً في أن تكوني طعاماً له و لأولاده، مصيرك يا زميلتي شواءٌ على صفيحة ساخنةٍ, تتقلّبين عليها.

نظرت السمكة (غيداء) إليها بسخرية و قالت: أي سخفٍ, تقولين؟ أنا لا أرى شيئاً مما تذكرينه، ثم من قال لك أن وراء الأمواج التي تعلونا عالمٌ آخر؟ إنها أفكارٌ ساذجة ابتدعها خيالك المريض.

و بصوتٍ, يملأه الشفقة قالت السمكة (لبيبة): مسكينة أنتِ إن كنت لا تدركين وجود عالم علوي لا علم لنا به على وجه التفصيل، فيه سماءٌ و جبال، و أشجار و نباتات، و شكلٌ آخر يختلف تماماً عما ترينه حولك من مظاهر الحياة عندنا.

- و من الذي ملأ رأسك بهذه الخيالات العجيبة التي لا دليل عليها؟

- تريدين الدليل؟!! إذاً تعالي معي



المشهد الثاني

انطلقت السمكتان (غيداء) و (لبيبة) نحو منطقة نائية و موحشة من قاع البحر..

كانت مليئة بالقوارب الغارقة التي علت أركانها الطحالب، و استوطنتها بعض الكائنات الأخرى..

ظلام دامس و سكون كانا يبعثان في النفس القشعريرة، و يثيران مكامن الخوف.. و انتهى المسير بالسمكتين إلى داخل إحدى تلك القوارب.

قالت السمكة (غيداء): ما الذي جعلك تأتين بنا إلى مثل هذا المكان المخيف؟ فأجابتها صديقتها: اصبري قليلاً يا أختاه، فثمّة أمور يهمّك مشاهدتها!!.

و من شقّ لآخر.. و من غرفة لأخرى.. وقفت السمكتان أمام مجموعة من الأدوات التي يستخدمها البشر، و قد علاها الصدأ.

نظرت السمكة (غيداء) حولها بدهشة و قالت: ما هذا الذي أراه؟ لا أذكر أنني شاهدت ما يشبه هذه الأدوات.

قالت السمكة (لبيبة): هذه مجموعة من الأدوات التي صنعها البشر، انظري إلى تلك القطعة المعدنية؟ إنها الأداة التي يقطّعون بها أغذيتهم، و هذه هي صفيحة الشواء التي حدّثتك عنها، و فوقها أداةٌ أخرى يسمّونها (شوكة)، و يستخدمونها في تناول أطعمتهم، و أنت بتهوّرك تريدين أن تكوني ذلك الطعام.

أطلقت السمكة (غيداء) نظرها نحو تلك الأطلال.. و استغرقت في تفكير عميق مدّة من الزمن ثم قالت: على الرغم مما أراه، إلا أنه يصعب علي تصديق ما تقولين، كما أنه لا يمكنني الجزم بأن تلك الأدوات من صنع البشر، و لعل لها تفسيراً آخر لم تبلغه أفهامنا بعد.

ردت عليها صاحبتها: يا عزيزتي، إن أي عاقل تكفيه مثل هذه الدلائل على وجود العالم الآخر.. و دعيني أقدّم لك برهاناً جديداً على صدق ما ذكرته لك، هلمّي بنا نزور شخصّية مهمّة في مملكتنا، و أرجو أن تجدي في زيارتها ما يجيب على تساؤلاتك.



المشهد الثالث

في ناحية من الشعاب المرجانية.. وقفت السمكتان (غيداء) و (لبيبة) أمام إحدى البيوت. نظرت السمكة (غيداء) إلى البيت ثم قالت لصاحبتها: و لكنك لم تخبريني من الذي سنقوم بزيارته؟

فأجباتها قائلة: إنها السمكة (حكيمة)، و هي من القلائل الذين أتيحت لهم فرصة الذهاب إلى ذلك العالم ثم العودة إلى الوطن.

فتحت السمكة (حكيمة) باب المنزل، و تبادلت الترحاب مع ضيوفها، حتى قالت السمكة (لبيبة): آمل ألا نكون سبباً في إزعاجك في مثل هذا الوقت، و لكننا في الحقيقة سمعنا عن قصّتك المدهشة في الصعود إلى سطح البحر و مشاهدة ذلك العالم المجهول، فأحببنا سماع القصّة منك مباشرة.

- بنيّاتي!! لقد أرجعتموني بالذاكرة إلى واقعة أليمة.. و أحداث لا تمحى من سجلّ أيامي.. و لولا فضل الله عليّ و لطفه بي لما كنت بينكم الآن..

كان ذلك قبل وقت طويل من الزمن.. عندما كنت شابة في مثل سنّكم.. أسبح بين الشعاب، و ألتقط الطعام من هنا و هناك، و في يوم من الأيام، رأيت طعاماً كبير الحجم.. جميل المنظر.. يتدلّى من أعلى سطح البحر.. فاندفعت نحوه بسرعة و دون أدنى تفكير..

و فجأة تغيّر حولي كل شيء.. فلا ماء و لا قاع و لا أسماك.. و لكن سماء و قارب و آلاتٌ غريبة..

عندها أدركت أنني غادرت عالمي إلى العالم المجهول.. ثم أبصرت أمامي واحداً من أولئك البشر الذين سارعوا بانتزاعي من الماء.. و حرّرني من الخيط الذي علق بي ثم وضعني داخل سلّة أنا و مجموعة من السمك.. كان الصيّاد يأتي بين الحين و الآخر لينتزع إحدى تلك السمكات.. ثم..

توقّفت السمكة (حكيمة) عن الحديث، و شخصت ببصرها لتسبح في بحر تلك الذكريات المؤلمة، ثم قالت: رأيته يقوم بتقطيع السمكة و إخراج أحشائها.. ثم يلقيها دون رحمة في وعاء كبير تتصاعد منه الأبخرة.. فتملّكني الهلع.. و أدركت أن مصيري هو ذات المصير ما لم أتمكّن من الخروج من هذا المأزق..

و هكذا حزمت أمري.. و جعلت أتحرّك بسرعة و أحاول القفز.. حتى تمكّنت من الخروج من تلك السلّة.. أبصرني ذلك الصيّاد فأسرع للقبض علي.. و لكني استطعت الإفلات من يده و العودة إلى المياه من جديد.. و الحمد لله على نعمة النجاة..

لقد تركت تلك التجربة في نفسي جروحاً غائرة و في جسدي آثاراً لا يمحوها الزمن.. و إن كان من نصيحة أقدمها لكما، فهي أن تحذروا من ذلك العالم.. فكم من فضول قتل صاحبه.



المشهد الرابع

أمام ذلك الطعم من جديد.. وقفت السمكتان ترمقان المشهد في صمت.. حتى قالت السمكة (لبيبة): و الآن.. ما رأيك؟ هل اكتفيت بما شاهدته من الآثار، و ما أخبرتنا به السمكة (حكيمة)، على ما يحصل في ذلك العالم؟

-بصراحة، لم يكفني ذلك، و أرغب في المزيد.

- أي مزيدٍ, تطلبين أكثر من ذلك، لا تكابري يا صديقتي.

- لست مكابرة، و لكن أخبريني بصراحة، لماذا يجب عليّ أن أصدّقك أنت و تلك السيّدة؟!!

- لأنني أريتك الآثار الدالة على وجود ذلك العالم، و السمكة (حكيمة) أخبرتنا بمشاهدتها و تجربتها، و العاقل يصدّق الأخبار التي تصله من الثقات، و يؤمن بالأدلة و القرائن التي يقف عليها.

تبدي السمكة (غيداء) عدم قناعتها فتقول لها السمكة (لبيبة): هل رأيت سمكة القرش من قبل؟

-بالطبع لا.

- كيف تؤمنين إذاً بوجودها رغم أنك لم ترينها من قبل؟ أليس السبب أن أجدادنا قد أخبرونا بوجودها و نحن نصدّقهم و نثق بهم؟.

-و لكني أرى أنه لا سبيل إلى اليقين بوجود ذلك العالم إلا بأن أجرّب بنفسي الذهاب إليه.

- ذاك هو الجنون بعينه، أتطلبين الخروج من عالمنا و مشاهدة العالم الآخر حتى تصدقينني؟.. لن يفيدك ذلك شيئاً.. نعم، ستدركين حقيقة ذلك العالم.. لكن بعد فوات الأوان.. و سترين بنفسك ما يفعله البشر بك و بأمثالك.. و لن يفيدك وقوفك على الحقيقة حينئذٍ,.. لأنك و ببساطة لن يمكنك العودة إلى عالمنا!!.

- اعذريني يا زميلتي العزيزة، لا تحاولي منعي من المحاولة، فأنا مصرّةٌ على ذلك!!

- لك مطلق الحريّة فيما تفعلين، و لكن أرجو ألا تقولي بعد ذلك أنني لم أبالغ في نصيحتك و تحذيرك.

و انطلقت السمكة (غيداء) نحو ذلك الطعم فابتلعته، و سرعان ما جرّها الخيط إلى العالم الآخر، عندها أبصرت بعينها كل ما سمعته من قبل، و عاينت الأهوال بنفسها، و تملّكها الندم حين لا ينفع الندم.
 
قراءة 746 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 28 تموز/يوليو 2021 09:22

أضف تعليق


كود امني
تحديث