{ألبرت آينشتاين}، اسم علمي عالي التردد، بعيد التأثير، عميق الأثر، واسع المد، متبحر في الفيزياء، بارع في العلوم، سيد النسبية، درسناه منذ نعومة أظفارنا، و فهّمناه لأولادنا، و بالتأكيد ستتلمذ على مناقبه العلمية و الاجتهادية أحفادنا، فالرجل عالم كبير ضليع في مجاله، و علمه أجلّ و أرفع من أن تتجاهله أمة من الأمم، فما بالك بنا و نحن أمة الحكمة انّى وجدناها التقطناها، و انّى لنا الاستغناء عن اينشتاين و أقرانه من العلماء الذين أفنوا حياتهم من أجل أن يوقدوها شموعا لطلاب البحث و التنقيب و الإبداع.
كل هذا حسن رائع، و لكن الرجل الطيب الذي أمضى حياته في صومعة العلم و ساحة الاستنباط، و هاجر من بلد إلى آخر، و ضيق عليه حتى في أوروبا، إلى أن وسعه حلم أمريكا، و عمّه فضلها، و حنى عليه حضنها الدافئ الحنون، و منحته و هي خجلة لسمو مقامه جنسيتها الكريمة، و فتحت له باب البحث و التجريب و الاختبار على مصراعيه، فأبدع و أجاد و أفاد، هذا الرجل {لم يكن صهيونيا}!!! و إن كان أبويه يهوديان، و لم يكن صهيونيا، رغم تصريحه بأن قيمة الصهيونية لديه تكمن في {التأثير التعليمي و التوحيدي للصهيونية على اليهود في مختلف أنحاء العالم}.
و هو كذلك ليس صهيونيا، رغم قوله {إنني أتحدث باسم المبادئ التي هي أهم إسهام قدمه الشعب اليهودي إلى البشرية!!!}، و هو براء كذلك من الصهيونية و سياساتها، رغم أن فكرة الدولة المشتركة، هي رؤية خالصة له و أنه يعتنق مبدأ حق الشعب اليهودي في إقامة دولة على أرضه التي {منحها} له الرب، و لكنه يرى كذلك ان هذا الرب {أسكن} الفلسطينيين فيها و لان كل فريق يرى أن الله معه، فإنه يقترح إبقاء الله خارج الصراع، لأن الدين عنده أصلا {تخاريف صبيانية}.
و هو كذلك ليس صهيونيا، و هو يتابع أحداث قيام دولة إسرائيل لحظة بلحظة، {فيلقي باللائمة على القوميين العرب و المتطرفين الإسلاميين} سواء بسواء مع قومه المعتدين الذين لم يعترف مرة واحدة بانهم معتدون، بل هم أصحاب حق مضطهدون، ينبغي على العرب التعايش معهم بصفتهم أقرب الشعوب إلى اليهود!! و يمكنهم التكامل معا اقتصاديا و ثقافيا!! بل و يسمي الشيخ أمين الحسيني بالاسم معتبرا إياه سبب المشكلة؟! و عندما وجه تنبيها إلى قادة اليهود ليتعلموا درس الألفي سنة الماضية، طالبا منهم إيجاد طريقة للتفاهم و التعايش مع العرب، حمل الانكليز مسؤولية ما يحدث بين الشعبين، و قد نسي تماما نسبيته و نظرياته العلمية و ادعاءه بأنه ليس رجل سياسة، و ذلك حين خوطب ليكون رئيسا لدولة إسرائيل فأجاب أنا رجل علم و لست رجل سياسة} و لعل هذه الجزئية في شخصية اينشتاين هي أكثر ما يستحق الاحترام، فالرجل لم ير في الكرسي فقط وسيلة لخدمة أمته و قوميته التي يقول هو عنها، {القومية بيولوجية تورث و لا تكتسب} فاليهودي يظل يهوديا حتى و لو تخلى عن ديانته} و لذا رفض الرجل كرسي الرئاسة، لعلمه أنه سيحول بينه و بين ما يريد من الناس ان تراه عليه، و هو رداء العالم البعيد عن السياسة، الرافض للانضواء تحت لواء أية أيديولوجيا، لأنه أكبر من فكرة واحدة يحصر في مجالها. و اكتفى بأن يزور وطنه القومي و ينال شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة العبرية و ذلك بعد أقل من عام واحد على قيام ما يسمى بإسرائيل.
و هو إنساني النزعة و القصد، حين يوصي بإخراج اليهود من ألمانيا إلى الشرق حيث بلاد الأمان و وطن السعادة، و لا يحبذ لقومه الاعتماد على الإنجليز، بل تفضل مشكورا بمطالبتهم و توجيههم إلى التفاهم مع العرب مباشرة، دون وساطة من الانجليز لان قيام دولة إسرائيل جاء لتحرير اليهود لا لقهر العرب حسب قوله؟!.
و لست أدري كيف تداعت إلى ذهني هذه التصورات عن أينشتاين، و أنا أتصفح تلك الرسالة التي كشف عنها قبل أيام، و بيعت لشار مجهول؟ بمئات الآلاف من الدولارات الأمريكية، و وجدتني أكتب عنه، على أمل ان تكون هذه الكلمات و ما سبقني إليها غيري من أساتذتنا كتاب الأمة الإسلامية، كلمات توعية، حين نقدم لأبنائنا علماء الغرب و الشرق، أن نذكر ما لهم و ما عليهم، و أن لا نستخف بأفكارهم الهدامة و أثرها على أجيالنا، و علينا كذلك أن نفصل بين علومهم البحتة، و سمومهم الفكرية، فلا يمنعنا شنآنهم من أن ننزلهم مكانهم الطبيعي العادل، في سلم العلوم.
و على الرغم من أن أينشتاين، قد أوصى بأن تحفظ مسوداته و مراسلاته في الجامعة العبرية في القدس {تحديدا}، و أن تنقل حقوق استخدام اسمه الكريم، و صورته البهية، إلى هذه الجامعة، على الرغم من كل هذه الحقائق ربما ما يزال منا أناس، يعتبرون أينشتاين {ليس صهيونيا}، و ربما اعتبره البعض بريئا من حمل القومية الصهيونية، أو لم يقل هو بلسانه {إن القومية مرض طفولي} فربما شفي منه و لكنه و بكل تأكيد لم يشف من صهيونيته الموروثة.
فلنكن أكثر حذرا و دقة، حين ندرس لأجيالنا مآثر علماء انحازوا إلى أكثر الأمم حقدا، و أشد الثقافات عنصرية، و نحن نصورهم شهداء علم، و صناع مآثر، بينما تختفي سير علماءنا و عظماءنا و خلفاءنا و قادتنا و مكتشفينا و أطباءنا و عباقرتنا، تحت ركام الإهمال، و صور الدسائس و الإساءة المقصودة، إلى تاريخهم و نصاعته و نزاهته، و جهده و نقاءه و إبداعه و لنذكر أن أبناءنا امتداد لتلك الكوكبة الرائعة من بناة الحضارة الإسلامية و حماتها و رواد نهضة الإنسانية بكل المعايير و القيم الإنسانية.
الرابط: