يقول الله تعالى في كتابه العزيز:" إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :" مَثلُ المؤمنين في توادِّهم و تراحُمِهم و تعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ. إذا اشتكَى منه عضوٌ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ و الحُمَّى".
و انطلاقاً من هذا المفهوم الرباني لكتاب الله، و الأسلوب التعليمي من سنة نبيه صلوات ربي و سلامه عليه، لا بد أن تتشكل بنية معرفية متكاملة في أذهان الأطفال، لكن بشرط تناسبها مع مدى إدراكهم العقلي لمفهوم متعدد الجوانب و المستويات، كالوحدة و التقارب بين الشعوب المسلمة، و ذلك لبناء أرضية معرفية قوية يمكن أن تضاف إليها مفاهيم تتحول لممارسات سلوكية مرتبطة بالمفهوم ذاته بسهولة و يسر.
نعم هنا يأتي دور الأسرة، أو بالأحرى دور الأم المربية التي تعرف جيدا كيف تصقل هذا القلب الرقيق الصغير، و هذه البراءة، و هذا الخيال اللا محدود، هذه الطفولة بكل معانيها البسيطة و الجميلة....عندما يتشرّب المربون فكرة الوحدة بمستوياتها المختلفة بين المسلمين، فإنه يصبح نقلها إلى الأجيال الناشئة و الشابة أسهل.
لقد اصبحنا في عصر مليء بالأحداث، مليء بأمور صعبة و مؤلمة لعلنا لا نريد ان نذكرها لأطفالنا، و هم في سن اللعب و المرح و البهجة و السرور، و لكن من زاوية أخرى قد يتعرض الطفل لمحن خاصة منها التشرد، اليتم، التفكك الأسري، أو المرض، و الأكثر منها هي هذه الحروب القاسية على الكبير فما بالك بالصغير الذي مازال لا يعي لما قامت هذه الحرب، و كيف فقد أباه أو أمه، أو اخوته...
فإذا لم تكن هذه اللمسة الحانية الواعية، التي تستعملها الأم المربية مع أطفالها في توعيتهم، مستلهمة في ذلك قدوات الأمة قديما و حديثا، و سرد قصص حقيقية لأبطال شجعان صمدوا، و اعتزوا بدينهم و تمسكوا به، إلى غير ذلك من المواقف، و لماذا نذهب بعيدا، ها هي حرب غزة أمامنا، و سوريا، و العراق ، و ليبيا و اضطهاد إخواننا في بورما و افريقيا الوسطى، فلا بد لك أيتها الفاضلة، أن تكوني واعية برسالتك كأم، فلا تجعلي من طفلك بليد الإحساس، و عديم الذوق، مع أخيه أو أخته الذين يقاسون أشد العذاب النفسي و المادي، علميه أن يلهج بالدعاء لنصرتهم، و أن تكون يده حانية للتبرع لهم بما استطاع...
نحن لا ننكر أن الطفل له متطلباته من اللعب و المرح، و إدخال البهجة و السرور على قلبه، و التعامل معه برفق و حنان كبير، إلا أنه من زاوية أخرى، لا بد أن يتعلم كيف يكون رجل الغد، أو امرأة الغد، بكل هذه المقاييس التي تعيشها اليوم الأمة الإسلامية، لأنهم و بكل بساطة هم مخزون الغد، الذي ننشده أو تنشده الأمة الإسلامية...
و لنا أن نختم و نقول للأم التي تعاني اليوم من جراء هذه الحروب، و جراء هذه الإبادات، أختاه عالم طفلك يبدأ منك، أي من مشاعرك و أفكارك، و لقد رزقك الله سبحانه و تعالى قدرة على تحمل هذه الأعباء، و على التجلد و لملمة الجراح، و حماية أطفالك و ذويك، هذا كله بفضل شعلة الإيمان التي رسخت في قلبك...
فيا زوجة الشهيد..و يا زوجة الأسير..و يا من تتألمين و تئنين في ظروف قاسية في موطنك و خارجه، و بعيدًا عن أهلك.. اصمدي و أرسمي ابتسامة الثقة بالله، و الرضا بقضائه، و اجعلي من وجوه صغارك زادًا لك لرحلة صبر جميل، و الله سيمدك بمدد لا ينقطع من ألطافه و رحماته.