لعل ما يميز فلادمير بوتين عن باق المرشحين أنه صاحب تصور عملاق فيما يخص دور روسيا إقليميا و دوليا، هناك أصوات في روسيا محسوبة علي اليمين المتطرف تطالب بإنفصال روسيا عن جمهوريات القوقاز التي أصبحت عبأ علي روسيا و ميزانيتها.
و هذا ما يرفضه رفض بات حزب روسيا الموحدة و علي رأسه الرئيسين مدفيدف و بوتين، فهما يعتقدان بأن شعوب القوقاز يحق لها أن تعيش في روسيا و أن روسيا وحدها القادرة علي توفير لهم الأمن و هي ممر حيوي جدا لأنابيب النفط و الغاز بالنسبة لموسكو و أوروبا ثم إن القوقاز يحمي حدود روسيا و ليس هناك مجال للتنازل عن منطقة القوقاز التي ستحتلها فورا أمريكا بمجرد إنسحاب الدولة الروسية منها !
و الإحتلال الأمريكي لهذه المنطقة الحيوية لن يكون مباشرا طبعا و إنما من خلال إعانات إقتصادية و إقامة قواعد عسكرية كما جري مع جمهورية قرقيزستان. أتذكر بالمناسبة أن بعد الثورة الشعبية التي وقعت في هذه الجمهورية و التي أطاحت بحكم رئيس مستبد، حدثت إشتباكات مأساوية بين العرقيتين الأوزبك و القرقيز و المصيبة أن كلاهما مسلمتين ! فهب الأوزبك الذين يعيشون في روسيا و طالبوا الكرملين بالتدخل العسكري في قرقيزستان و نجدة إخوانهم الأوزبك، فأضطر الرئيس بوتين لإستقبال ممثلهم و الإستماع إليه و كان رده ما يلي :
-ثقوا بأنني سأعمل ما في وسعي لإنهاء التقاتل في بلدكم و لكن لا تطلبوا مني التدخل العسكري في قرقيزستان! فهي جمهورية مستقلة الآن عن روسيا الإتحادية و أعداءنا يتربصون بنا الدوائر ليورطوا روسيا في أمر لا دخل لها فيه.
و أتصل الرئيس بوتين بالرئيسة القرقيزية التي كانت تحكم البلاد لفترة إنتقالية و طلب منها بصرامة روسية أن ترسل قوات قرقيزية إلي منطقة الجنوب التي تشهد تقاتل، فردت عليه الرئيسة:
- -لكن كيف أرسلهم؟ ليس لي العدد الكاف و ليسوا مسلحين بما فيه الكفاية
- -و من قال لك سلحيهم ؟ رد عليها بوتين : ضعيهم كجدار بشري غير مسلح يفصل بين الأوزبك و القرقيز المهم أن نوقف سيلان الدم، هذه مهامك كرئيسة دولة عليها بضمان الحماية لكل مواطنيها. يجب الفصل بين القوميتين حتي تهدأ الخواطر، تحركي و لا تعولي علي أي دور روسي فهذا أمر داخلي، حلوه بينكم بالتي هي أحسن.
- هذه رؤية الرئيس بوتين، فهو رجل داهية، و قد وضع جنرالات الجيش الروسي قائمة تتضمن سبعة أعداء لروسيا و يأتي المسلمين بين المرتبة الرابعة و السادسة و أما عدو روسيا الذي يأتي في المرتبة الأولي هي الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا يلعب الرئيس الروسي بوتين علي هذا الوتر الحساس جدا، العداء القديم للشعب الروسي لأمريكا و عداء قادة الجيش الروسي لأمريكا، فهو حينما عزل المنظمات الروسية التي تتلقي دعما مباشرا و غير مباشر من واشنطن، ذكر الجميع بمسألة هامة جدا في لعبة الديمقراطية : التغيير الذي يأتي من الخارج بدعم بعض الأطراف المحلية ماليا ما هو إلا تدخل سافر في الشؤون الداخلية الروسية و أمر منافي لمبدأ الديمقراطية ذاتها و الذي يقضي بأن السلطة تأتي من الشعب و الوحيد المخول في المطالبة بالتغيير هو الشعب و ليس جهات نخبوية تأتمر بأوامر واشنطن و لندن و باريس.
تري هل سينجح المرشح بوتين في إقناع الروس، بأنه لا يزال صالح ليعود إلي الكرملين كرئيس دولة ؟
هذا ما سنراه قريبا عبر إنتخابات رئاسية، نريدها جميعا نزيهة و شفافة.