أهل عكا رأوا فى الوالى الجديد مخلصا لم يكونوا يحلمون به يوما. كانوا يريدون أن يغضبوا على كل الأيام و السنين التى رأوا فيها الفارس الفرنجى يقتل أو يخطف أو يخرب. الفارس الفرنجى الذى لا يعرف لغتنا و لا صلاتنا و لا حبنا لأشجارنا و زرعنا و بيوتنا ، الذى لا يفهمنا و لا نفهمه ، الذى يعتقد أنه وحده يعرف الله و يعرف الخير ، و يعرف الحرب أيضا.
أحمد رفيق عوض فقرة مأخوذة من روايته " عكا و الملوك "
أبدع الروائى الفلسطينى أحمد رفيق عوض فى بسط المقابلة بين المسلم صاحب الأرض الأصلى و بين الصليبى الوافد من بلاد بعيدة لنصرة قضية خاسرة .كنت أقرأ فصول الرواية بتعطش كبير ، كم تبدو لصيقة بنا تلك المشاهد ، حرب فخراب ، نصر ففرحة و حصار مع قلق ، إنهزام فمذابح و إن كان لدي تحفظ علي محتوي بعض الصفحات و التي تصف سلوكات غريبة لمسلمين في الإنحطاط الأخلاقي.
كم مدينة مسلمة حوصرت فى التاريخ القديم و الحديث ؟ لا مجال للإحصاء ، كل ما يجب أن نتذكره و بجدية بالغة أن قصة العداء متواصلة و أن الصراع اللامتناهى أفضى الى مزيد من التباعد و التنافر و التباغض. أحد قرائى لاحظ لى بأن فلسطين بعيدة عنا جغرافيا، و هذا صحيح، لكن هذه الأرض هى أرض المسلمين جميعا دون إستثناء و البعد الجغرافى لا أعده عذرا كافيا لتخلينا عنها و إلا لماذا تموت راشيل كورى الفتاة الأمريكية دفاعا عن حق الفلسطينيين فى العيش على أرضهم و لا نقاوم نحن و نحن أحق بفلسطين من كورى ؟ لنشرع فى تقويم الذات قبل أن نفكر فى وضع خطة لتحرير أرضنا، و لنعمل من أجل تحكيم ضمائرنا و شرع الله هذا ما يجب أن نعكف عليه. و لنستعيد تجربة الثورة الجزائرية و الثوار الجزائرين، قسم كبير منهم أبلى البلاء الحسن فى تغليب جانب الخير فيه ثم أقبل على المقاومة و الجهاد عن إيمان و بصيرة. من كان يجاهد فى الجزائر المستعمرة لم يكن حامل السلاح فقط ، شرائح مختلفة من أفراد الشعب كانت تشارك فى جهد المقاومة و التحرير ، من السباك الى ماسح الأحذية الى الممرضة. من كان يقوم بعملية طهى أكل المجاهدين ؟ هن ربات البيوت. فالبسطاء الأميون و العلماء، المثقفون و المتعلمون على السواء كان لهم سهمهم فى ثورة 54. ضم جيش صلاح الدين أكراد و أتراك و عرب و روم ، فأمير عكا كان عبدا سلجوقيا روميا أسلم و حسن إسلامه و ذاد عن عكا بكل ما أوتى من دهاء و عزيمة و استشهد مع سكان المدينة الصامدة. الأرض الإسلامية هى ملك كل مسلم و طبقا لهذه الرؤية فكلنا مسؤولون عن تحرير الأرض الأسيرة . تسببت ذهنية التواكل فى إنحطاطنا و إنهزاماتنا، فنحن نخسر الحروب دون خوضها و نلقى بالسلاح قبل أن نحارب و نستسلم بدون داعى و نولى الأدبار و المعركة لم تبدأ بعد و نخشى الموت أكثر مما نخشى الله بينما أهل عكا من حوالى ألف سنة و بعد إستردادهم لمدينتهم واجهوا حصار ثانى من طرف الصلبيين و استبسلوا فى الدفاع عن أنفسهم و استعملوا كل وسائل الدفاع الذاتية و لم يبخل عليهم بالمساعدة القائد صلاح الدين و حتى بعد سقوط عكا ثانية، عادوا و استرجعوها، فنحن بحاجة الى هذه العزيمة و الى هذا التصميم وهذا الإصرار على الحق. و مثلهم يجب أن نغضب على كل الأيام التى مضت تحت الإحتلال، فتفويت حل المقاومة إطالة أخرى لعمر الصراع، فالعدو الصهيونى يريد الإستيلاء على الأرض و الدين و كل شىء فى عالمنا. فأنا أقاوم من هذا الركن المتواضع ، فماذا عنكم ؟