تقترب الأمة الإسلامية من شهر رمضان، تستعد له و تستقبله، و تشتاق إليه؛ تصوم نهاره و تقوم لياليه، ترتاد المساجد و تقرأ القرآن الكريم، تزيد فيه صلتها بخالقها، تسعى فيه لمرضاته بسعي خالص و عمل دءوب يقوم على الإخلاص و حُبِّ الله تعالى و رجائه و الشوق إليه و الحياء منه مما يُصقل شخصية المسلم و يُهذبها، و يشعر المسلم بأن تغييرًا قد طرأ على ذاته داعما صلته بالله تعالى..
بل تشعر الأمة بمجموعها أن شيئًا ما طرأ عليها و هي تتناول طعام السحور في وقت واحد، و تفطر في وقت واحد، تعيش الأجواء التي تتقرب فيها إلى الله العلي القدير الناصر الرازق، تتلمس الوحدة، ترجو الله و تخافه و تثق به و تتذلّل إليه بمزيد من الحب و الولاء و البراء، و الالتزام بحدود الله تعالى و العمل بآداب الشريعة الغراء.
لكن هنا يجب أن نُسطر هذه الحقيقة المؤسفة، و هي أن معظم وسائل الإعلام، تقوم بتشويه الوجه الحقيقي لرمضان، و تغيير ملامح رسالته للأمة، و ذلك عن طريق تصويره للناس بأنه ضيفٌ ثقيل، يحتاج مستضيفوه إلى الكثير من الترويح عن النفس حتى يستطيعوا تحمّل وطأته، و حتى يمر بسلام.
و الأدهى و الأمر أن الاستعدادات تجري على قدم و ساق للتزاحم على أبواب رمضان قبل قدومه بأشهر؛ ليس لاستنهاض الأمة؛ بل لحَرفها عن توجهها، و كأن الوضع الأليم الذي تعيشه الأمة الإسلامية تُغيِّره المسلسلات التافهة و الأعمال المنحطة في شهر رمضان. و في الحقيقة أن معظم ما يتم بثه للأمة الإسلامية يزيد ما عليه الأمة تعقيدًا و فسادًا و إبعادًا لها عن دينها, فلصالح من هذا التوجه؟ و من الذي يدعمه؟
إن الموضوعات التي تُبث للمسلمين "جريئة" في تناولها لقضايا مثل الفساد السياسي و الاجتماعي و التطرف الديني. فمن هو الذي يروج لفكرة محاربة "التطرف الديني" غير الغرب؟ و من الذي يحارب الإسلام و المسلمين غير الغرب؟
الحقيقة أن كل هذا يجري في ظل الصراع الدائر بين الكفر و الإيمان و الحق و الباطل، و في ظل تحكم الدول الكافرة في بلاد المسلمين، و في ظل الأنظمة الحاكمة التابعة للغرب، و في ظل ازدياد اندفاع الأمة الإسلامية و توجهها نحو فهم الإسلام من نبعه الصافي القرآن و السنة، و في ظل ازدياد توق الأمة للعيش في ظل الخلافة، و في ظل قوة الإسلام القادمة و التي يتحدث عنها الأعداء في الغرب بشكل مستمر تحت عناوين الخط الأيديولوجي الإسلامي أو الإسلام السياسي أو الجهاد؛ فإننا نرى و نسمع ما يبثه الإعلام لحرف الأمة عن توجهها و مسارها الصحيح.
من أجل ذلك، و حتى تبقى الأمة الإسلامية و بلاد المسلمين تبعًا لغيرها تلجأ شياطين وسائل الإعلام إلى تشويه وجه رمضان الحقيقي، و تصويره على أنه مناسبة كبرى و طويلة من أجل التمتُّع بأصناف الأطعمة و السهر و لعب الورق و تجمعات المراهقين و الشباب في الشوارع.
إن صاحب البصيرة يرى أن هذا الشهر الكريم هو فرصة عظيمة لمن يوفقه الله تعالى لصيامه و قيامه، و إن المسلم في أمسّ الحاجة لمكفِّرات الذنوب و غفرانها حتى ينجو من النار و يدخل الجنة فكان أن أنعم الله تعالى عليه بقيام رمضان ليَغفر له ذنوبه و يُكفِّرها فيُبعده عن النار و يفوز بالجنة و يحوز على رضوان الله عز و جل.
و من هنا كان كثير من السلف يدعون الله تعالى ستة أشهر قبل قدوم رمضان أن يبلِّغهم رمضان، فإذا انتهى رمضان دعوا الله تعالى أن يتقبل منهم صيامه. و هل تعلمون ما هو شهر رمضان؟ شهر رمضان الذي قال الله تعالى فيه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَ بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَ الْفُرْقَان} [البقرة: 185].
في رمضان أُنزل القرآن حبل الله المتين، و فيه تحققت العديد من الإنتصارات؛ ففي رمضان كان انتصار المسلمين يوم بدر، و فيه منَّ الله على المسلمين بفتح مكة، و فيه كانت عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا عظيمًا على التتار و فيه كان فتح عمورية بين المسلمين بقيادة المعتصم و بين الروم، و ذلك بعد أن استنجدت امرأة بالمعتصم فصرخت "و امعتصماه"، فسمع المعتصم بالخبر و جهز جيشًا و فتح عمورية، و فيه انتصر نور الدين زنكي على الصليبيين و فيه استرجع بيبرس أنطاكية من الصليبيين و فيه فتح المسلمون مدينة بلجراد.
شهر رمضان قال الرسول الله عنه: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين و مردة الجن و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، و فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، و ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر. و لله عتقاء من النار و ذلك كل ليلة" (رواه الترمذي).
فهلاّ جعلنا من رمضان هذا العام بوابة للتغيير الجذري في حياة المسلمين، بل في حياة البشرية لعودة الإسلام لقيادة العالم من جديد، و السير نحو العزة و التمكين.. {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَ مَن لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِين} [الأحقاف: 31، 32].
المصدر: موقع مفكرة الإسلام.