في صراع الحضارات يسعى القوي لمحو هوية الضعيف حتى يبقى تابعا له، ففرنسا الاستعمارية سعت للقضاء على المدارس القرآنية لأنها تعلم الطفل 50000كلمة هي لغته و هويته وتفرده الذي يمنعها من تسخيره لمخططاتها، فالمدارس القرآنية توسع مدركات الطفل العقلية و تؤهله في سن مبكرة لتقبل باقي العلوم على تفاوت الصعوبة فيها.
قد يطرح مشكك السؤال: كيف ذلك؟؟؟ فيكون الجواب عنه بسؤال: " ما هي اللغة التي يتقنها الجزائريون كلهم الآن؟؟؟؟؟؟(الجواب : لا لغة)، أو بصيغة أخرى انتشرت المدارس الآن و ضعفت اللغة و ضعفت معها المدركات، و قد كانت قوية فيما مضى على قلة المدارس و الاعتماد على الكتاتيب في اغلب الأحيان، كيف يفسر ذلك؟؟؟.
لقد صنعت الكتاتيب أطفالا صغار بعقول واعية للمحبة الاحترام و النخوة و الأنفة و العزة بالانتماء و كره الأعداء، و قد يطرح السؤال مجددا كيف ذلك؟؟؟ .
الجواب بسيط: إنه المنهج المعتمد في الكتاتيب هو من صنع ذلك، فالطفل يدخل الكتاب في سن مبكرة قد تبدأ من عمر الثلاث سنوات بعقل نقي قابل للكتابة به و عليه، ثم تحتفل القرية بحفظه القرآن ما بين السابعة و الثالثة عشر، ثم ينتقل إلى حفط المتون و أولها ألفية بن مالك، ثم يبدأ في النحو و التفسير و غيرها من العلوم.
إن هذا الطفل الذي صقل جوهره على حب العلم و اللغة العربية و ما تحويه من متون و أشعار تهذب خلقه و تصقل جوهره و تجعله عزيزا مفتخرا بانتمائه، -ففي الأثر: تعلموا العربية، فإنها تثَبت العقل، و تزيد في المروءة-، صار عصيا على المستعمر الذي هاله اشتداد عوده و هو بعمر الزهور، و قدرته على فهم العملية الاستعمارية و المشاركة في صدها، لقد كان لزاما على المستعمر إيجاد مخرج لتطويعه و تحوير اهتماماته من خلال محاولة سلبه أقوى أسلحته إنها لغته العربية، يقول مصطفى صادق الرافعي رحمه الله :" ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، و لا آنحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ و إدبارٍ، و من هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، و يركبهم بها، و يُشعرهم عظمته فيها، و يستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، و أمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً و نسياناً، و أمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ " .
ذهب الاستعمار و بقي بعض المحسوبين عليه من أبناء جلدتنا يواصلون ما بدأه بإخلاص لا مثيل له لنطرح السؤال: أن ينجح العدو في نزع أقوى أسلحتك فشيء طبيعي في منطق القوة و الضعف....أما أن ينجح في إيهامك بأن سلاحك الفتاك خطر عليك أنت لا هو و يقوم بهذه المهمة أبناء جلدتك فهذا ليس له إلا مصطلح " تبقى حاير".
Comments
شكرا دكتوره على هذه الالتفاة الطيبة منك لتشخيص واقعنا الماعصر ... مقال جميل بأسلوب متقن يشد القارىء ويبعث فيه الهام التفكير وروح المبادرة.
RSS feed for comments to this post