صلة الرحم من أهمّ الأعمال التي أمر الله تعالى بها عباده، و وعد الواصل لها بثواب عظيم، كما أعدّ لقاطعها عقاباً شديداً، و قد بيّن لنا رسول الله -صلى الله عليه و سلّم- أنّ الواصل ليس فقط من أحسن لمن أحسن إليه، إنّما الصلة الحقيقية تكون لمن أساء و قطع، قال عليه الصلاة و السلام:( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَ لَكِن الْوَاصِلُ الذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا)[رواه البخاري].
و قال العلماء: تكون صلة الرحم بالزيارة، و تكون بتلبية الدعوة، و تكون بتفقد الأحوال، و تكون بالإكرام، و تكون بالهدية، و تكون بالتصدق على الفقراء من الأقربين، و تكون بعيادة مرضاهم، و تكون بمشاركتهم أفراحهم، و تكون بمواساتهم في أحزانهم، و تكون بتقديمهم على غيرهم في كل أمر هم أحق به، بسبب قرابتهم، ثم تكون – و هذا تاج الصلة بالرحم – بدعوة هؤلاء إلى الله، و الأخذ بهم إلى مرضاته، هذه هي صلة الرحم.
و قد سادت في زماننا عادة قطع الرحم بشكل كبير، و غفل كثير من المسلمين عن خطورة هذه القطيعة، فإن ما نلمسه اليوم بين أسرة و أخرى، ذلك التفكك، الذي أصبح واضحا جليا، فالكل منشغل بنفسه، و كل يتعلل بضيق الوقت، أو تراكم المشاكل، و هذا مما قد يساهم في تعزيز قطع أواصر الأخوة و المحبة بين العائلة و الأخرى، و نضيف إلى ذلك أن بعض الأسر أصبحت لا تتحرج سرد مشاكلها مع ذوي أرحامها على مسمع من أبنائها صغارا أو كبارا، و في كثير من الأحيان كانت تلكم المشاكل لا أصل لها، و لكنها فجرتها مجرد كلمات قيلت وقت الغضب، و لكنها تسجل في ذاكرة ذلك الطفل، و تكون ردة فعله قطيعته لرحمه، و تنكره لحق رحمه عليه، و تملصه من واجباته نحوها من زيارتهم، و اتصال بهم، و دعم لهم و مواساتهم ..
و ما كان ذلك ليكون لولا تلك الرسائل السلبية عن الأرحام التي مرّرناها لأبنائنا دون أن نشعر بذلك، فإذن الأمر قابل للتدارك، و ذلك بالحرص على تمرير رسائل إيجابية عن الأهل و الأقارب لأطفالنا، و تشجيعهم على زيارتهم من وقت لآخر، و الاتصال بهم، و أن نكون قدوة لهم في ذلك، بإظهار حرصنا على التواصل و التلاحم مع أفراد عائلاتنا كبيرها و صغيرها، و مشاركتنا لهم في الأفراح و الأتراح، فذلك السلوك العملي هو الذي يقدم القدوة الصالحة لأطفالنا، و ذلك هو ما يترك الأثر الطيب في نفوسهم، و يجعلهم ينشؤون على حب القريب و حسن تقديره.
و من المهم أيضا أن نتخذ من زيارة بعض أقاربنا، مناسبة لتعريفهم بما فرضه الشرع لأرحامنا من حقوق علينا، و نسرد لهم الآيات و الأحاديث التي تدل على ذلك…
و من الجميل كذلك أن نرسخ فكرة صلة الرحم، بالقصة الهادفة المفيدة، التي تبين للطفل كيف يتعامل الناس مع بعضهم البعض.
و لا نسى أهمية حرص الوالدين على دعوة الأهل و الأقارب من حين لآخر، فذلك يهيئ المجال للتواصل و التفاعل و يمكن لأسباب الانسجام و الترابط و التراحم، و يولد الحب العائلي الذي ينشأ فيه الطفل، فيرى رأي العين كيفية الاستقبال و حب ذوي الأرحام…كما يشكل ذلك إطارا مناسبا لتدريبهم على كيفية استقبال الضيوف و الترحيب بهم و مؤانستهم…
خلاصة القول بإمكاننا أن نمرر رسائل إيجابية كثيرة لأبنائنا تنشئهم على حب أرحامهم و تحملهم على الحرص على التواصل معهم، و ذلك أمر بالغ الأهمية لأنه يسهم في التمكين لبناء مجتمع قوي متماسك و منسجم، و مجتمع كذلك حاله لا يستطيع أعداؤه أن يؤثروا فيه أو أن يلحقوا به الأذى…
الرسالة التي يمكن كذلك أن نقدمها لأطفالنا هو إشراكهم معنا في استقبال الضيف، و الترحاب به، و الجلوس معه، حتى نثبت له هذه المعلومة و تنضج معه، إلى أن يعلمها هو لأطفاله…
الرابط : http://elbassair.org/3008/