قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Saturday, 17 November 2018 10:01

بداية العلم في الإسلام

Written by  الدكتور عبد الحليم عويس رحمه الله
Rate this item
(0 votes)

عندما انتشر الإسلام بين العرب و غيرهم انتشر العلم؛ لأن الدين مرتبط بالعلم الشرعي و بالقرآن الكريم، فقد كان مَن يعرف القراءة يأخذ بيد مَن لا يعرف، و يعلِّمه القرآن الكريم، و يتبادلانِ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأحاديث.

كما أن النبي صلى الله عليه و سلم حثَّ بعضَ أصحابه أن يتعلَّموا لغةً غير اللغة العربية، عندما دَعَتِ الحاجة إلى ذلك؛ ففي صحيح البخاري عن زيد بن ثابت قال: أُتي بي إلى النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة، فقيل: هذا مِن بني النجَّار، و قد قرأ سبعَ عشرةَ سورةً، فقرأتُ عليه، فأعجبه ذلك، فقال: ((تعلَّم كتاب (كتابة) يهود؛ فإني ما آمَنهم على كتابي))، ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهر حتى حذِقتُه، فكنتُ أكتب له إليهم، و إذا كتبوا إليه قرأتُ له.

و في حديث آخر عن زيد بن ثابت، قال: قال لي النبي صلى الله عليه و سلم: ((إني أكتبُ إلى قومٍ فأخاف أن يزيدوا عليَّ أو ينقصوا، فتعلَّم السريانية))، فتعلَّمتُها في سبعةَ عشرَ يومًا، و هذا يعكس لنا مدى الإخلاص في طلب العلم من الصحابة تنفيذًا لأمر الرسول صلى الله عليه و سلم، كما يدل على العبقرية القوية التي يتمتَّع بها زيد بن ثابت[1].

و قد كثرت بين العرب القراءةُ و الكتابة - بصورة ملحوظة - في عهد التابعين رضوان الله عليهم، كما أن غير العرب الذين دخلوا في الإسلام اضطروا إلى تعلُّم العربية لمعرفة شعائر دينهم، و لأمور دنياهم.

أضِفْ إلى ذلك أن الفتح الإسلامي استتبع الحضارة، فبُنِيت في عهد عثمان و مَن بَعده الدُّور و القصور، و اقتنى كثير من الصحابة الأموالَ و الجنان و العيون؛ كالزبير بن العوام، و عبدالرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص، و المقداد، و هذا - من غير شك - يستتبع رقيَّ الصناعة و منها الكتابة[2].

و من المعروف أنَّ القرآن الكريم و السُّنة الشريفة قد قدَّما علمًا كثيرًا، تمثَّل في حديثهما عن آدم، و نوح، و إبراهيم، و يوسف، و موسى، و يونس، و داود، و سليمان، و غيرهم، عليهم السلام، كما أنهما تحدَّثا عن الأمم الأخرى؛ كاليهود و النصارى، تاريخًا و دينًا، فنتج عن ذلك نوعٌ من الثقافة أفاد جميع المسلمين من عربٍ و غير عرب.

كما شجَّع الإسلام أتباعَه على طلب العلم حين رفع قدر العلماء و العلم، كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، و قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلَائِكَةُ وَ أُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾ [آل عمران: 18].

و قد أقسم الله تعالى بالعلم و بأدواته؛ حيث قال تعالى: ﴿ ن وَ الْقَلَمِ وَ مَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، كما أمر الله سيدَنا محمدًا صلى الله عليه و سلم بالاستزادة من العلم؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

و إلى جانب هذه المعارف التي قدَّمها القرآن و السُّنة، أضاف القرآن بُعدًا آخر عندما دفع العقل إلى النظر إلى ما في العالم من ظواهر: ﴿ أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185]، ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَ قُعُودًا وَ عَلَى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، ﴿ وَ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تحثُّ على العلم و الفكر و النظر في الكون[3].

بداية الحركة العلمية:

و لئن كان المسلمون خلال العقود الأولى من ظهور الإسلام قد انشَغلوا بتغيير العالم و نشر الإسلام، و إزالة العقبات التي تعترضُ تعرُّف الناس الحقيقي على هذا الدين، في ظل حملات تشويه رومانية و فارسية، تشبه حركات الأوروبيين (المستشرقين بخاصة)، في التجني - بأساليب كثيرة - على حقائق الإسلام و مصادره و رسوله صلى الله عليه و سلم في عصرنا؛ فإنهم سرعان ما أصبحوا قادرين بعد موجة الفتوحات الأولى، و بتوجيه من القرآن الكريم، و السُّنة الشريفة على تقديم حقائق الإسلام للإنسانية، و ذلك جنبًا إلى جنب، مع نشرهم للإسلام، و تفاعلهم الحضاري مع الشعوب التي اختلطوا بها، و قد ظهر ذلك مبكرًا؛ حيث كانت روح الدعوة و ثقافة الإسلام و قِيَمه الحضارية تمضي مواكبة لحركة التقدُّم في قارَّات الأرض، فلم تكن الفتوحات، و لم يكن أصحابها طلابًا للدنيا، بل كانوا طلابًا للدين، و هم لا يقدمون الدين إلا و معه ثقافته و نظرته الربانية إلى الكون  و الحياة والإنسان[4].

و يؤكِّد هذه المواكبة العلمية للدعوة و الفتوحات ما سجَّلته المصادر الوثيقة عن طبيعة الفتوحات الإسلامية على أنها فتوحات للأرض و العقل و القلب في نسيج واحد.

و لعلَّ مما يُوضِّح هذا - إلى جانب مواقف الرسولِ صلى الله عليه و سلم بعد الهجرة في المدينة - ما ألمحنا إليه سلفًا مِن أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، كان هو الإمام و القدوة في رعاية الحياة العلمية؛ ليس في المدينة وحدَها، بل في كل موقع يهيمن الإسلام عليه، فعندما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم (مكة) خلَّف فيها معاذ بن جبل يُفقِّه أهلها، و يُعلِّمهم الحلال و الحرام، و يُقرِئهم القرآن، و كان معاذٌ من أعلم الصحابة بالحلال و الحرام، و من أقرئهم للقرآن، و قد شارك معاذًا في تعليم أهل مكة الصحابيُّ الجليل عبد الله بن عباس، و أشهر مَن تخرَّج في المدرسة المكية من التابعين الموالي مجاهد بن جبير، و عطاء بن أبي رباح، و طاوس بن كيسان رضي الله عنهم أجمعين.

أما في المدينة: فقد تصدَّر للعلم و التعليم فيها عمرُ و علي بن أبي طالب، و لكن زيد بن ثابت كان الأكثر تفرغًا للعلم، و تبِعه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم.

و حول علم (زيد) قال سليمان بن يَسار: (ما كان عمرُ و لا عثمان يُقدِّمانِ على زيد بن ثابت أحدًا في القضاء و الفتوى و الفرائض و القراءة).

و كان ابن عباسٍ يأخُذُ برِكاب زيد بن ثابت و يقول: (هكذا يُفعل بالعلماء و الكبراء)، و كان ذا عقل رياضي، فكان أعلم الناس بالفرائض (المواريث)[5].

أما عبدالله بن عمر رضي الله عنه، فكان متخصِّصًا في جمع الأحاديث و روايتها، و كان يتحرَّج من الفتوى.

أما في العراق، فقد برز الموالي بصورة كبيرة، فقد كان هؤلاء الموالي هم البارزين في الحِرف و الصناعات و التجارة في العراق، بينما انشغل العرب بالسياسة و الحرب و طلب الرئاسة؛ كما ذكر ابن خلدون[6].

و قد نزل في الكوفةِ مِن أصحاب رسول الله كثيرون؛ أشهرهم الإمام علي بن أبي طالب، و عبدالله بن مسعود، رضي الله عنهما، الذي كان أكثر تفرغًا لمجال العلم و التعليم، فأخذ عنه كثيرٌ من الكوفيين و أصبحوا تلامذته و ناشري علمه و فضله، في مجال الدراسات القرآنية، و في رواية الأحاديث التي سمِعها من رسول الله صلى الله عليه و سلم، كما كان يُفتي استنباطًا من الكتاب أو السُّنة أو القياس، إذا لم يَرِد كتاب و لا سنة، و قد خلفه تلامذته: علقمة، و الأسود، و مَسروق، و عبيدة، و الحارث بن قيس، و عمرو بن شرحبيل.

أما البصرة، فقد نزل بها عدد كبير من علماء الصحابة، أشهرهم أبو موسى الأشعري، و أنس بن مالك، و كان الأشعري فقيهًا، فوق معرفته القرآن و الحديث، أما أنس بن مالك، فكان آخر مَن تُوفِّي بالبصرة من الصحابة؛ حيث توفى سنة 92 ه رضي الله عنه.

أما أهل الشام، فقد بَعَث إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجموعةً من الصحابة الأخيار، و قد أورد البخاري في التاريخ: أن يزيد بن أبي سفيان كتب إلى عمر: (قد احتاج أهل الشام إلى مَن يُعلِّمهم القرآن و يُفهمهم، فأرسل معاذًا و عبادة و أبا الدرداء)؛ فكان هؤلاء أولَ مُؤسِّسي المدرسة الدينية بالشام.

و قد بعث عمر بعد هؤلاء عبدالرحمن بن غنيم، فتخرج على أيديهم جميعًا كثير من التابعين؛ كأبي إدريس الخولاني، ثم مكحول الدمشقي، و عمر بن عبدالعزيز، و رجاء بن حَيْوة.

أما مصر: فقد كان مِن الصحابة الذين نزلوا إليها علماء علَّموا بها، و أشهرهم عبد الله بن عمرو بن العاص؛ و كان مِن أكثر الناس حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم.

و يُعد عبدالله بن عمرو بن العاص بحقٍّ مؤسِّسَ المدرسة المصرية، فقد أخذ عنه كثير من أهل مصر، و كانوا يكتبون عنه ما يحدث.

و قد اشتهر من مدرسة مصر - بعد جيل الصحابة - يزيد بن أبي حبيب، و هو نوبي الأصل من دنقلة، ثم جعفر بن ربيعة من العرب، و من الموالي يزيد بن أبي حبيب، و عبدالله بن أبي جعفر، و كان من أشهر تلاميذ يزيد (عبد الله بن لَهِيعة من حضرموت، و الليث بن سعد)، فكانا القمة في علمهما و فضلهما، و إن كان الليث قد أُطلق عليه لقب (فقيه مصر)، و فضَّله الإمام الشافعي على الإمام مالك، مع أن الليث كان على صلة حسنة بمالك، و كان يساعده على أعباء الحياة المعاشية، فرضي الله عن الجميع.

أهم المؤسسات العلمية[7]:

1- المساجد: المسجد هو النواة الأولى للمدرسة في الحضارة العربية الإسلامية؛ يتعلَّم الناس فيه القراءة، و الكتابة، و القرآن، و علوم الشريعة و اللغة، و العلوم الأخرى.

2- الكتاتيب: و قد كان الكتَّاب في الأصل ملحقًا بالمسجد و يقام إلى جانبه؛ لتعليم القراءة و الكتابة و القرآن، لكنه استقلَّ عن المسجد بعد ذلك.

3- مجالس المناظرة: و تُقامُ في الدُّور و القصور و المساجد، و ذلك في علوم اللغة و الفقه و النحو و الصرف و الدين.

4- المكتبات: مثل بيت الحكمة في بغداد، و مكتبة الإسكندرية و غيرها[8].

و كانت العلوم التي تدرس في هذه الأماكن هي التي تتَّصِل بالقرآن الكريم، و يطلق عليها العلوم النقلية أو الشرعية، و تشمل علوم الحديث و التفسير و الفقه و اللغة و النحو و الصرف و الأدب و غيرها.

و علوم أخرى أطلق عليها اسم (العلوم العقلية)، و أحيانًا (علوم الأوائل)، و تشمل التاريخ و الجغرافية، و الرياضيات و الأرصاد، و علم النبات و علم الحيوان، و علم الأرض، و الكيمياء، و الطب، و الصيدلة، و غيرها.



[1] أحمد أمين: فجر الإسلام، ص (84، 85)، بتصرف.

[2] توفيق الطويل: قضايا من رحاب الفلسفة و العلم، ص (224)، دار النهضة العربية، القاهرة 1986.

[3] السعيد الورقي: في مصادر التراث العربي، ص (279)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية 1979.

[4] السعيد الورقي: في مصادر التراث العربي، ص (379).

[5] توفيق الطويل: قضايا من رحاب الفلسفة و العلم، ص (246).

[6] ابن خلدون: المقدمة، ص (236).

[7] أحمد شلبي: التربية و التعليم في الفكر الإسلامي، ص (46 - 115)، موسوعة الحضارة الإسلامية، مكتبة النهضة المصرية 1987.

[8] مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، ص (100 - 107).

Read 1421 times Last modified on Thursday, 22 November 2018 08:22

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab