اعتدت على شراء كتاب مرة كل شهر، و في ذلك اليوم المشهود، أعود به إلى البيت و أنا أكاد أطير من الفرحة، وقد أضفتُ كنز جديد لكنوزي المرتبة على الرفوف! ليس هناك أغلى من الكتاب و المعرض الدولي للكتاب يتيح لنا اقتناء عدة عناوين، أحيانا كثيرة بأثمان بخسة، ثم إنني ممن لا ينظرون للسعر بقدر ما يهمهم محتوى الكتاب.
كيف لا نحتفي بالكتاب و كاتبه و نحن نصبح و نمسي على ابتكارات و اختراعات متوالية، تزيد في قيمة الصفحات التي نتصفحها بشغف كبير ؟
استمددت جزءا كبيرا من موهبتي في القصص من المطالعة، فقد كانت طفولتي، مراهقتي وشبابي رحلة طويلة وممتعة مع القراءة. أقرأ باهتمام بالغ، وبفضول كبير، و كثيرا ما استوحيت من أجواء مطالعاتي الإطار العام لِما أكتبه في قصصي ورواياتي.
فعالم القراءة ثري وحافل بالمعلومات، وينقل القارئ الكريم من الواقع إلى حيوات كثيرة متنوعة، متباعدة، وأحيانا متداخلة. مللت نشاطات كثيرة إلا القراءة والرسم، فأنا أخصص ساعتين يوميا للقراءة؛ هذا فرض عين بالنسبة لي. و حضور فعاليات معرض دولي للكتاب، أعده واجبا، لا يجوز التقصير فيه. فقد تربيت على احترام الكتاب والنهل منه قدر الإمكان، ومن فرط ولعي بالكتب، حيثما اذهب أصاحب كتاب، حتى صرت آخذ معي دفتر، لأدون فيه بشكل منتظم انطباعاتي أو مقدمات قصة أو مقالة. فإن أولينا الكتاب حقه من الاهتمام على مستوى كل أسرة نكون قد ساهمنا في نهضة علمية للمجتمع ككل.
لهذا أنا أعتبر الكتاب الوطن الحقيقي للقارئ، ليس مبالغة مني بل قناعة راسخة لدي. لولا الكتاب، لما تمكنا من التقدم نصف خطوة إلى الأمام، وبين دفتي كتاب خطاب الله عز و جل، وعلى رأس كل آية نقف مبهورين مفتونين بإعجاز القرآن الكريم، فكيف نتعامل باستخفاف مع أهم وسيلة للمعرفة المباشرة ؟ ألا و هي الكتاب.
سياسة تقريب الكتاب تبدأ منذ الروضة، وقبل تلك المرحلة إن أمكننا ذلك. أسوق شهادة أم قيمة :
"كان طفلي رضيع، حينما يراني آخذ كتاب القرآن الكريم لأقرأه، فأنشغل عنه، فكان يسلك مسلك البكاء، لهذا كنت أدنو منه و أطلب منه الاستماع إليّ و كنت اقرأ عليه سور كاملة، و لله الحمد كان يهدأ ويصغي إليّ، وقد كبر مع ملكة النطق الصحيح للأحرف العربية."
أليس هكذا نعطي للكتاب حقه ؟
و إقامة المعارض في طول و عرض بلادنا، عامل محفز لتطوير عادة القراءة وتعليم الصغار باكرا قيمة و مكانة الكتاب في حياتنا، فموقع المكتبة في كل بيت يحتل الصدارة، وبذلك يفهم الكبار والصغار على السواء أهمية أن نولي العلم تقديرنا و اهتمامنا. فماذا لو فهم أطفالنا أن الكتاب هو وطننا ؟ منه نستمد نور المعرفة و نضيء به يومياتنا، ونستفيد منه، و نعمل بمحتوياته. إدخال الطفل عالم الكتاب يسير و لا يتطلب أكثر من صفحات ملونة، وأحرف كبيرة، وقصة مشوقة! والمداومة على المطالعة تخرج لنا أجيال منضبطة ومتحمسة للعب دورها، ولهذا يفترض أن نتعامل بجدية كبيرة مع الكتاب. فلا نترك الأمر للآخر، ليس الفضائيات الغربية من تحدد لنا ماذا نقرأ و كيف نقرأ؟ لنسطر على مستوي الأسر، والأصدقاء، والأحياء، برنامج نعلي فيه من شأن المطالعة لنتمكن من إزاحة قليلا من نفوذ ألعاب الشبكة العنكبوتية، وحتى الكتب المعروضة إلكترونيا، لن تفيد مثل تصفح كتاب و اختيار عنوان في مكتبة.
تفتح القراءة آفاقا واسعة أمام القراء الكرام، تأخذ بهم إلى ميادين و فضاءات مجهولة، و يمارسون حاسة الفضول بمتعة، و يوظفون في حينها المعلومات المستقاة من الكتب. كم من كتاب يعتبر مرجعا قيما، فلنا خيارات كثيرة و قد نفضل طريقة عن أخري في اكتساب المعارف والمعلومات، وأساس الثقافة هو الكتاب. لنخصص عشرون دقيقة يوميا للقراءة، و سنري مفعول ذلك سريعا، تتسع الآفاق، و يهذب مزاجنا، و تتعمق نظرتنا لفعل الحياة، و نحترم السنن الكونية و الإلهية، و نعمل على نبذ الخلافات و التعصب.
و مهما يتطور نسق الحياة، و مهما تعددت وسائل نقل المعرفة، يبقى يتربع الكتاب على عرش الأفضلية، نحن لسنا ضد التقدم، فهو سُنّة من السنن، إنما نريد لأبنائنا والأجيال الصاعدة شيئا أكمل وأجمل و أنفع، لا يضر العينين، ولا يستهلك طاقة، ولا يعلّم العقل الكسل. أحيانا في عملية القراءة، أجد نفسي آخذ عناوين مراجع العمل الفكري لأصبح أبحث عنها في المكتبات، أو أوصي أحدهم بأن يأتي لي بها من الخارج. فنلاحظ حجم النفع الذي ينجر عن القراءة المتأنية، و كثيرا ما نعود إلى الكتاب مرة، و اثنين، لنزداد معرفة بمحتواه.
أرجو أن يتسنى لي في الأسابيع القادمة أن أقدم للقراء الكرام ملخص بعض ما إقتنيته من كتب في هذه الطبعة من المعرض الدولي للكتاب في قصر المعارض بالصنوبر البحري.