رجل قارب على ترقية في منصب مدير عام مصلحة حكومية و يعاني ضيق الحال منذ بداية الحياة الزوجية نتيجة اعتماده الوحيد على راتبه الضئيل الذي -بصعوبة بالغة- يكفيه و أسرته بشكل ما أو بآخر..
و يسأل هل الفقر و الاحترام وجهان لعملة واحدة ؟ هل عندما تمسكت بفضيلة الاحترام كان الثمن أن أعاني قسوة العيش انا و أسرتي؟
أجاب الأستاذ عبد الوهاب كعادته بسعة صدره و حسن تحليله للأمور و لكن إستوقفني سؤال لم يكن مطروحا في المقال، ما المانع أن لا يظهر الفقير فقره كما يظهر الغني غناه ؟
هل المجتمع الانساني بطبعه يلفظ الفقير خارجه و يعامله معاملة الغريب أم أن الانسان يعتبر الفقر وصمة عار عليه لزاما عليه أن يخفيها بكل ما أوتي من قوة ؟
تخيلوا معي أن يدي مصفدة بأغلال والمفتاح في جيبي، هل هناك مشكلة ؟ بالطبع لا سأخرج المفتاح من جيبي و أفك قيدي..
هكذا يظن الفقير أن الفقر هو قيده الذي لا فكاك منه و لا مهرب، و لكنه نسى أن مفتاح الغنى في جيبه، و ليس الغنى هنا المال، إنما هو الحرية و تقبل الفكرة في أني فقير و أعيش حياتي كما وهبني الله سعة العيش كيفما كانت، و أن أسعى و أسعى حتى يكون لي في الحياة شرف المحاولة و اثبات الذات...
كان الرسول صلى الله عليه و سلم يتعوذ من الفقر و غلبة الدين و قهر الرجال، أي أنها أمور محتومة الحدوث و يذكرنا أن نتعوذ بالله منها حتى يرفعها عنا، فمن كان مع الله أغناه...
و خلق الله الفقر و الغنى بدرجات كي تدور عجلة الحياة و يصبح الناس معتمدين على بعضهم في الحياة، و لكن جحود من امتلك المال و كفرانه بالنعم من حوله رسخوا مبدأ الطبقية و طبقوا العزل الجبري بينهم و بين من دونهم و بمرور الوقت وصلنا لما نحن عليه الآن..
و أعظم مثل للغنى هو قارون و لم يأت في غناه أحد بعده و لكنه كفر فهل نفعه ماله!
و ها هو ذا رسولنا الكريم يربط على بطنه الشريفة حجرين من شدة الجوع، فهل كان جوعه مانعا له ليظهر أمام الناس - وهو رسول الله - جائعا، إنما هو رحمة للعالمين و أشرف المرسلين و لم يكن الجوع عيبا قط، إنما هي سريرة الانسان و سيرته و عمله الجوهر الذي يحيا به على هذه الأرض و تبقى روائحها الذكية بعد الممات...
و لست أصف حياة الرسول صلى الله عليه و سلم بالفقر و قد أغناه الله و لكنه موقف حدث في حياة الرسول لنتأسى به أسوة حسنة في الشدة و الرخاء على حد سواء...
و السلام ختام..
الرابط :