كثيرون هم الذين يعيشون في قلق يومي من تقلبات الحياة، فيحملون الهموم مع كل تغير، و يتابعون الأخبار بدقة، فتخفق قلوبهم مع كل خبر، و تدور عيونهم مع كل حركة دابة من حولهم ..
كثيرون هم الذين يعيشون ي قلق بالغ على أموالهم، أن تنقص، و على أعمالهم، أن تتراجع، وعلى أولادهم، أن يصيبهم الأذى، و على صحتهم، أن تمرض، و على مستقبلهم أن يكون أليما ..!
حادثني أحد الأصدقاء الميسرين ماليا، أنه يخاف من المستقبل، فلما تعجبت منه و قلت له : و مم تخاف ؟! قال : الفقر !
قلت كيف و أنت قد أغناك الله غنى فاق غالب من حولك، و لديك من المال ما لو حاولت إنفاقه في سنين لم تستطع !
قال : لا ادري هو شعور لدي، و لدى كثيرين من رجال الأعمال من أصدقائي !
هكذا يخاف صاحبنا الغني من الفقر، و هكذا و بنفس الطريقة يخاف صاحبنا الشاب الفتي مفتول العضلات من الأورام الخبيثة، و يقلق صاحبنا ذي المركز المرموق من التحركات الإدارية الجديدة أن تسلبه مكانته !
إنها حياة صعبة مؤلمة، تلك التي تعيشها بين خوف و قلق و ترقب، و كأنك ممسك بشىء ثمين بين يديك و تسير في طريق يكتنفه اللصوص على الجانبين، و أنت تسير قلقا مهزوزا، مترقبا، غير واثق، ينخلع قلبك مع كل صيحة، و يتزلزل صدرك مع كل هبة ريح، قد فقدت السكينة، و فارقتك الطمأنينة، و غاب عنك الهدوء و راحة البال !
منهجنا الإيماني الرائع يدعونا لشىء آخر، و صفة مغايرة، نتخلى فيها عن الفزع و القلق، و الخوف من تقلبات أحوال الحياة.
إنه يدعونا إلى السكينة و الطمأنينة، و هما نعمتان ينعم بهما الله سبحانه على أحبائه الذين آمنوا.
فأما الطمأنينة: فهي سكون القلب المؤمن و هدوؤه، قال الله سبحانه: " الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا و عملوا الصالحات طوبى لهم و حسن مآب "
و الطمأنينة إذا سكنت في القلب فاضت على نفس المؤمن الصالح و عمتها جميعها، فأدبتها و هذبتها و رققتها، فصارت نفسه نفسًا مطمئنة.
و أما السكينة: فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، و هي نعمة ينعم الله بها على عباده عند الخوف و المصائب و البلايا، و رداء ينزل فيثبِّت القلوب المترددة، و يهدِّئ الانفعالات المتوترة،
قال الله تعالى: " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين و ألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها و أهلها.."
و قال تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها .."
و قال الإمام ابن القيم: "و كان شيخ الإسلام إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، و قد جربت أنا أيضًا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكون القلب و طمانينته" المدارج
و قد تجتمع السكينة و الطمأنينة في قلب المؤمن الصالح، فيالها من ساعة تمر على المؤمن، فلا خوف و لا قلق و لا انزعاج و لا ضجر، و لكن برد و سلام و إن تزلزت الدنيا بأهلها و تهدمت القصور بأصحابها..
فهو ساكن مطمئن مع ربه جل جلاله، لا يخاف قلبه بل لا تهتز شعرة منه، و كيف لا و هو مطمئن بربه سبحانه معتمد عليه ساكن إليه، فإذا تعرض للابتلاء و الاختبار و هو ساكن مطمئن، مر عليه بلاؤه و ثبت فيه و استشعر حلاوة الطاعة فيه و رآه نعمة من ربه.
فعلينا رفع الأكف إلى الله سبحانه ندعوه و نرجوه أن ينعم علينا بنعمة السكينة و الطمأنينة، و أن يُقر أعيننا بهما، و يثبت قلوبنا بهما، و أن يجعلهما لنا دافعًا على العمل لدينه ليل نهار.