سعاد تشعر بالغيرة من علي. فهو هذا العام لم يعد يخرج للعب معها في ساحة المنزل صباح كل يوم بعد الإفطار، بل أصبح يدخل الغرفة ليرتدي ملابس المدرسة، و يودعهم متجها نحو باب المنزل و أمه تذكره بدعاء الخروج من المنزل، و توصيه بأن ينتبه لنفسه و يسير على الرصيف، و أن يطيع المعلمة و لا يتشاجر مع أحد.
و ذات يوم بعد ذهاب علي للمدرسة، دخلت الأم لتنظف الطاولة من بقايا وجبة الفطور، و حينما انتهت من عملها تنبهت لجلوس سعاد شاردة على كرسيها الصغير و كأنها حزينة، بادرت الأم طفلتها بالسؤال: ما بك يا حبيبتي؟ لم أنت حزينة؟
سعاد: كنت سعيدة باللعب كل يوم مع علي، أما الآن فأنا أقضي معظم الوقت وحيدة أثناء انشغالك في ترتيب المنزل أو إعداد الطعام أو قيامك بأعمالك الأخرى.
ابتسمت الأم و قالت: و هل تريدين الذهاب للمدرسة أنت أيضا؟ نعم يا ماما، فلابد أن هذا أكثر متعة من البقاء في المنزل وحيدة.
الأم: مازلت صغيرة على الذهاب للمدرسة. و لكني علمت بوجود روضة جيدة للأطفال في مثل عمرك بالقرب من مدرسة علي، فإن شئت أخذتك إليها غدا. قفزت الطفلة من شدت الفرح لتقبِّل أمها و تحتضنها.
مرت بضع ساعات و حان موعد رجوع علي من المدرسة. طرق الباب، فركضت سعاد لتبشر علي بالخبر السعيد، غير أن علي رد عليها بقوله:
أنت الآن سعيدة و لكن سنرى غدا. بعد الواجبات و أوامر المعلمات.
و هنا سألته الأم التي كانت واقفة بالقرب منه: و كأنك غير سعيد بالمدرسة !
علي: نعم يا ماما.. أنا لا أحبها و لا أريد الذهاب لها، كنت مرتاحا ألعب و أمرح و أخرج للعب مع أصحابي في الحديقة. أما الآن فمواعيد الدراسة معروفة و مواعيد اللعب محسوبة، و لا أعرف ما هي الفائدة من ذهابي للمدرسة أصلاً.
الأم: ألست الذي تقول دائما. عندما أكبر سأصبح مخرجا تلفزيونيا! و تتحدى الجميع بأنهم سيرون منك أجمل و أنفع البرامج!!
علي: نعم.. و لكن ما دخل هذا بالمدرسة؟
الأم: في المدرسة تتعلم كل شيء تقريبا.
علي: إذن أخبريهم أن يعلموني بسرعة كيف أصبح مخرجا تلفزيونيا و ينتهي الأمر، و أتخلص من هذه الورطة.
الأم: لا يا حبيبي المدرسة ليست ورطة، بل هي فرصتك لتتعرف على الناس و تتعرف على العلوم الكثيرة.. و منها تختار ما تشاء في مستقبلك لتتعمق في دراسته و العمل فيه.. و كل شيء يتعلمه الإنسان يجب أن يتعلمه بالتدريج لتكون النتيجة مرضية، فالتعلم السريع لا ينفع كثيراً.
ألم تنظر إلى ابن خالك الصغير عمر؟ و كيف تعلم المشي في سنة كاملة.. أولا تعلم أن يحرك يديه و رجليه و هو مستلق على ظهره، ثم تعلم رفع جسمه على يديه و رجليه، ثم بدأ في الحبو ثم الوقوف على كرسي ثم المشي المترنح ثم المشي الطبيعي، و ها هو الآن بفضل الله يركض خلفك.
و هكذا كل من يذهب للمدرسة يبدأ بتعلم الحرف و الرقم ليصل للعلوم كلها.
علي: إذن لا مفر من الذهاب للمدرسة !
الأم: ليس هذا فقط، بل يجب أن تكون متميزا في مدرستك في اجتهادك و تهذيبك و اهتمامك، هذا إن كان لديك العزم على أن تكون شخصا مهماً.. بعد بضع سنوات!
علي: ماذا ماذا؟.. شخص مهم .. سأصبح أهم مخرجٍ تلفزيونيٍّ في العالم، سترون أجمل و أنفع البرامج على الشاشات العالمية و التوقيع باسمي طبعاً!!
الأم: قل إن شاء الله.
علي: إن شاء الله.
وهنا قالت سعاد: أما أنا فسأخرج إن شاء الله غدا لأول مرة معك في الصباح الباكر.
الأم: إن شاء الله.