أَمَا وَ سُوُدُ لَيَالٍ فِي بِلَاد غُرْبَة
طَالَتْ عَلَيَّ فَلَمْ أُصْبِحْ وَ لَمْ أَنَمِ
غَابَ الرَّبِيعُ وَ قَدْ بَكَى الْدِيَمُ و
خَرِيفٌ أَتَى وَ الْنَبْتُ غَابَ عَنْ الْقِمَمِ
فَلَا الْجَفْنُ اِرْتَاحَ مِنْ سَهَرٍ
وَ لَا تَدَاوَى الْقَلْبُ مِنْ أَلَمِ
كَأَنَّمَا الْمَوْتَ يَجْرِي فِي مَحَاجِرِنَا
كَأَنَّهُ رَسُولٌ يَبْحَثُ عَنْ دَمِي
مَا كَانَتْ الْحَيَاةَ لَنَا ظُلَمَاً
وَ لَكِن الْحَيَاةُ مِنْ وَهْمٍ إلَى وَهمِ
تَمَرَّغْنَا فِي حُبِّ الذُّنُوبِ دُونَ
نَدِمٍ فَألْبَسَنَا الشَّيْطَانُ خُلَعَة السَّقَمِ
كَاَنَّ الرَّبِيعَ لنا شَبَابٌ و
الْخَرِيفُ بَاء بِنَا إِلَى الْهَرَمِ
الصَّيْفُ جَاء بِحَرِّهِ وَ الشِّتَاء
مَضَى وَ غَيْرَ النَّفْسِ لَا تَلُمِ
نُغَالِبُ بِالْشَّكِّ الْيَقِينَ عِنَادَاً
وَ نَدْفِنُ كَبِدَ الحَقيقَةِ بِالْوَهْمِ
كَيَمٍّ يَعُجُّ بلألائه فِي صَدَفٍ
وَ نَحْنُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ وَ الظُّلْمِ
جُنَّ الْقَلْبُ وَ الْعَقْلُ فِي مَرَحٍ
وَ الْهَوَى يُنَازِعُنَا مُنَازَعَةَ الْخَصْمِ
وَ الدَّهْرُ اَثْخَنَنَا جِرَاحَاً فَإِنْ حَزَّ
فِي اللَّحْمِ ألَحَّ عَلَى الْعَظْمِ
خَبَتْ جَذْوَةُ الصِّبَا فِي أَلَمٍ
كَأَنَّهَا سُوَيْعَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ الْعَدَمِ
فِرَاقٌ أَتَى فِي إثْرِ سَقَمٍ فَمَا
أَوْجَعَ مِنْ كَلَمٍ أَتَى عَلَى كَلِمِ
وَ نَحْنُ مِنْ لِينٍ وَمِنْ تَرَفٍ و
الْجَسَدُ مِنَّا بَاتَ كَالْصَنَمِ
كَان رَبِيعُ الْعُمْر أَخْضَرَاً ذِي كِمَمٍ و
أَصْبَحَ خَرِيفُ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِ ذِي كِمَمِ
عَشِقْنَا الدُّنْيَا وَلَثَمْنَا ثَغْرَهَا
وَ مَا لَثَمْنَا إلَّا موطئ الْقَدَمِ
أوْقَدْنَا النَّار لِلْأَضْيَافِ عَن كَرَمٍ
وَ نُوقُدُ النَّار لِلْأَعْدَاء عَنْ نَقَمِ
نُوِقِدُهَا شُعَلَاً عَلَى فَحْمٍ، و
لِلْأَعْدَاء شُعَلَاً فِي ذَلِكَ الْفَحْمِ
مَالَنَا نَرْتَجِي مِنْ الدُّنْيَا بَقَاء
أَلَيْس بقاؤنَا فِي الْحَيِّزِ الْعَدَمِ؟!
بِتْنَا وَ بَاتَتْ الْأَهْوَاء تُمَنَّيْنَا
وَ هَوَى النَّفْسِ لَمْ يُؤْتَ مِنْ عَدَمِ
هِي الْخَيَالُ أَهدَانَا سَقَمَاً
وَغَدَتْ بَعْدَهُ الْحَيَاةُ فِي سَقَمِ
أَخْلَاقُ الْفَتَى عِزَّتُهُ لَا
بِخَالٍ يَسْمُو وَ لَا بِعَمِ