(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الأحد, 23 شباط/فبراير 2014 15:56

“ملك لا يظلم عنده أحد”

كتبه  الأستاذة رقية القضاة من الأردن الشقيق
قيم الموضوع
(0 أصوات)

بأبي أنت و أمي يا رسول الله، عليك من الله أطيب الصلاة و السلام، لم تعرف الدنيا أطيب منك خلقا و لا أكمل، و لا أحنى على البشرية، و لا أحرص على الخلق، و ها أنت تتحمّل من الأذى ما لا يحتمل، و في سبيل الله تحتسب الضنك، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، و حين ترى أصحابك في ضيق و أذى، ترضى بأن تبقى وحدك في وجه تيار الشرك العاصف في مكة، التي يرفض عتاتها لين شريعتك، و يأبى ظلمتها عدل رسالتك، فتشير على المستضعفين من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة قائلا { لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن فيها ملك لا يظلم عنده أحد، و هي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه}.

 

لقد أشار المصطفى صلى الله عليه و سلم على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، و هو يراها بعين الأمل و الإطمئنان، أرض عدل فيها ملك عادل، و العدل مبتغى المظلومين و الأمن مطلب الخائفين، و الهجرة فرارا بالدين و النفس و المعتقد، شرعة ظلّت على مدار الزمان، نهجا يتبعه المستضعفون، كلّما خانتهم القوّة و غلبهم على أمرهم الطغاة و الظالمون، و لكنها كثيرا ما كانت طريقا للفتح و التمكين، و نشر الفكرة التي من أجلها يرتحل الناس من أوطانهم و بيوتهم و أهليهم، ابتغاء وجه الله.

 

و هاهم أتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم، يفرّون بدينهم إلى أرض الحبشة، كما أشار عليهم نبيهم، و هاهي صحراء الجزيرة العربية تشهد لهم، بحرّها و شمسها اللاهبة، و رمالها الممتدة عبر المدى، بأنهم باعوا كل غال و نفيس، من أجل هذا الدين، و ها هي شواطئ الجزيرة العربية، تحمل على أجنحة المراكب الغريبة، كوكبة من المضطهدين إلى أرض غريبة، و شواطئ غريبه و رمال غريبة، و أصقاع لم يألفوها، و أرض قبل اليوم لم يطؤوها، يقصدون رجلا، قال فيه نبيهم صلى الله عليه و سلّم إنّه ملك عادل لا يظلم، و العدل في شرعة نبيّنا، غاية الأمانة و الأمان، و هو يودعهم لدى هذا الملك، وديعة يعرف أنها لن تضام و لن ترّوع، و بنور النبوّة يعلم أنها ستكون فاتحة خير و نصر و إنتشار لهذا الدين، و النبي صلى الله عليه و سلم، يودّعهم و هو يمهد لهم البشارة، {حتّى يجعل الله لكم فرجا ممّا أنتم فيه}، فالرسالة ربّانية، و القلوب خالصة النيّة، و الرحلة مقصدها وجه الله الذي تهون في سبيله المهج و الأرواح، و الركب الطيب يتتابع صوب الحبشة، إلى أرض النجاشي، مصحوبا برضى الله، و دعاء نبيه المشفق، و تحفه البشارة أن الفرج قريب.

 

و ما لبثت أولى بشائر الفرج أن أهلّت، في يوم استجيبت به دعوة المصطفى صلى الله عليه و سلّم {اللهم أعزّ الإسلام بأحد العمرين} و عمر بن الخطّاب حينها من أشدّ النّاس عداوة لمحمد و دينه، و أكثرهم أذى للمستضعفين منهم، و هاهو يسير في طرقات مكة، يبحث عن رسول الله ليقتله، و يريد الله له غير ذلك، و يستجيب لدعوة نبيه و يكتبها للفاروق، و هاهو يطرق باب بيت يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه و سلّم و نفر من اصحابه، و يقرع الباب و يفزع بعض الصحابة من قدومه، و يأذن له الرسول صلى الله عليه و سلّم بالدخول قائلا و قد أخذ بمجمع ردائه: {ماجاء بك يابن الخطاب، فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة}، و يجيب عمر بكل رقة وحب و خشوع: يارسول الله جئتك لأؤمن بالله و رسوله، و بما جاء من عند الله، و يكبّر الرسول صلى الله عليه و سلّم فرحا و شكرا لله على هذا النصر، و يعرف المسلمون أن عمر قد أسلم، و من قبله حمزة بن عبد المطلب و يعمهم الفرح، أن قد أعزّ الله الإسلام و نبيه بمن يمنعهما من أذى المشركين.

 

و إستقر المقام بالمهاجرين في الحبشة، و إنطلقت الأرواح تعبد ربها برضى و حرّية، و قد استشعرت برد الراحة، و سكنت إلى عدل ربّها، و إستسلمت لغربتها الآمنة، فهل يطول عهد هذا الأمان ؟ و قريش يملؤها الحقد على محمد و أتباعه، و يقتلها غيظها ؟ و هي تراه يصلّي في البيت العتيق، و حوله حمزة و عمر و بقية الكوكبة الطيبة من السابقين إلى الإسلام، فترسل إلى النجاشي رجلين بينه و بينهما صحبة و مودّة محمّلين بالهدايا الثمينة، ليطلبا إلى النجاشي ردّ المسلمين إلى مكة، لتفتنهم عن دينهم، و يدخلا إليه ساجدين كما اعتادا، في ظلال شرعة لا ترى بأسا في سجود البشر للبشر، أو حتى ما هو أقل من البشر قيمة و كرامة، و تناثرت الكلمات الحاقدة: ايها الملك، إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا، و هم في أرضك، و يستغرب الملك، في أرضي؟ قالوا نعم، و الملك العادل يريد أن يسمع قبل أن يحكم، و يرسل في طلب المهاجرين، يريد أن يسمع و يرى و يناقش أولئك الذين يعيشون في أرضه فرّارا من قومهم، و يجتمع الغرباء المطلوبون حول جعفر بن أبي طالب، و يطلب إليهم جعفر أن يفوّضوه بالكلام في هذه المقابلة، و يدخلون على الملك مسلّمين، رافعي رؤوسهم تمتزج على جوارحهم مظاهر العزة و التواضع، و يبتدرهم رهبان النجاشيّ: أسجدوا للملك، و بكل إطمئنان المؤمن و ثبات حامل الحق أجاب جعفر: نحن لا نسجد إلّا لله، فقال الملك: و ما ذاك؟ فقال: إن الله بعث إلينا رسولا، و هو الرسول الذي بشر به عيسى عليه السلام من بعده، اسمه أحمد فأمرنا ان نعبد الله و لا نشرك به شيئا، و أن نقيم الصلاة، و أن نؤتي الزكاة و أمرنا بالمعروف و نهانا عن المنكر، فأعجب النجاشيّ قوله، و عمرو يرى الإعجاب في عيون الملك الحكيم و يخشى على مهمته من الفشل، فيمعن في الكيد لهم، فيقول: أصلح الله الملك إنهم يخالفونك في إبن مريم، فقال النجاشيّ ما يقول صاحبكم في إبن مريم؟ و العيون تترقب الجواب، أيكون فيه الهلاك أم النجاة، و إيمان جعفر و صدقه و ثباته على المحك، أيراوغ ليرضي الملك و ينجو مع أصحابه؟ أم يقول ما قاله الله و رسوله؟ و الدنيا كلها تصغي يا جعفر للحق تلقيه على مسامع ملك قد لا يرضيه قولك، و لا يفيدك ساعتها صدقك؟ و لكنّها مدرستك ياحبيب الله الصادق الأمين، و فيها تربّى جعفر الطيّار و إخوانه الصفوة الطيبة، لن ترى في الحق الّا النجاة، و يجيب جعفر: نقول فيه قول الله، هو روح الله و كلمته أخرجه من العذراء البتول التي لم يقربها بشر، فتناول النجاشي عودا من الأرض فرفعه قائلا: يا معشر القسيسين و الرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في إبن مريم ما يزن هذه، مرحبا بكم و بمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، و أنه الذي بشر به عيسى، و لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتّى أقبل نعليه، إمكثوا في أرضي ما شئتم.

 

و تستمر الرسالة بالانطلاق تحمل النور إلى أصقاع الأرض، و يمضي ركب الأحبة، محمّد و صحبه في رحلة مضنية و لكنها مليئة بكنوز المحبة الخالصة بينهم و بين الله، و تستمر الهجرات واحدة تلو الأخرى، و تتنسم يثرب نسائم العطر المكّي، و تحمل في أرجائها عبق المسك النبوي، و تطالها أشعة الحق الدافئة، و تصبح مستقرّ الحق، و وجهة النبي و صحبه في هجرة أخرى، تؤرّخ لتاريخ الأمة الإسلامية بتضحية جيل تفرد بالسبق إلى الخير، و تفرّد بالثبات و التجرد و الإقبال على الله، و التخفف من أثقال الأرض، و أعباء الدنيا و غرورها، صدقوا الله ففتح لهم أبواب الرحمة و المغفرة، و لم تعرف الدنيا مثل فضلهم و صبرهم، و إستصغارهم لكل ما بذلوه لله، فاستحقوا الوسام البديع {رضي الله عنهم و رضوا عنه}

المصدر:http://www.arabrenewal.info/2010-06-11-14-22-29/45247-%E2%80%9C%D9%85%D9%84%D9%83-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%B8%D9%84%D9%85-%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D8%AD%D8%AF%E2%80%9D.html

قراءة 2427 مرات آخر تعديل على الإثنين, 06 تموز/يوليو 2015 15:26