نزول القرآن العظيم، و فتح مكة، و غزوة بدر، نعمٌ أنعم الله بها على هذه الأمة، و كانت كلها في رمضان، هذه النعم تدلنا على عظمة المنّان عزّ وجل. المنّ لغة هو العطاء و هو صنع الجميل، و هو الإحسان إلى من لا يستثيبه ( يطلب منه الثواب)، ولا يطلب منه الجزاء.
هل تعلم أن المنّة هي النعمة الثقيلة، فيقال : منّ فلان على فلان إذا أثقله بالنعمة و منه قوله تعالى :(لقد منّ الله على المؤمنين) آل عمران 164.
و الله عز و جل هو المنّان على كل الأنام، عظيم الهبات و العطايا و الإحسان، فهو سبحانه يبدأ بالنوال قبل السؤال، و هو المعطي ابتداءا و انتهاءا، و يعطي فوق الآمال و الرجاء.
و من مننه الجزيلة أنّه ينجي المؤمنين، و المستضعفين في كل زمان من المتكبرين و المفسدين، فينعم عليهم بالأمن و الأمان و التمكين، قال جلّ ثناءه ( و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين) القصص. فها هي الأمة الجزائرية تحتفل في هذا الشهر المبارك بذكرى استقلالها، هذا الاستقلال منة عظيمة من الله المنّان على هذا الشعب المسلم، بعد حقبة رهيبة من البؤس و الاستدمار، هي نعمة ثقيلة هل أدّى الشعب شكرها؟
نحن نحيا الآن في فسحة الحرية، و نتذوق نعمة الحرية، إنّها و الله نعمة حقيقية افتقدها الكثير من الخلق.
ينبغي على هذا الشعب مشاهدة منّة الله عليه و استحضارها و مطالعتها، و الكتابة عنها و استعمالها في طاعة مولاه المنّان.
تضرّع أجدادنا إلى الله بدعائهم و أعمالهم حتى يحصدوا هذه المنّة، رغبوا إلى الله سنوات عديدة، و مات معظمهم دون بلوغ هذه النعمة التي أنت و أنا اليوم نحيا فيها، نعمة الحرية و الانتصار على العدو الكافر.
إذا تجاهلنا هذه المنّة، منّة الحرية ثم تجاهلها أبناؤنا، سنفقدها نعوذ بالله من ذلك، و يتجاهلنا الأخرون و لن تقوم لنا قائمة إذا استمرّ هذا التجاهل و هذه الغفلة و لم ينبّه عليها أولي الألباب و العقول.
هذه الأمة ترامت بين أنياب الظلم، و البؤس، و الحرمان من أدنى حقوق الإنسان لعقود و سنوات، عاشت الجزائر دامية، تنزف، و تتجرّع مرارة الاستعباد، و كان الجلّدون يضعون حبل المشنقة في رقبة أبنائها ليلا نهارا،كانت صرخات اليتامى و بكاء الثكالى يتعالى في كل أرجائها. أتدرون ماذا كانت أمنية المحكوم عليه بالموت بالمقصلة الفرنسية ؟ كانت أمنيته أن يسمع قبل أن يفرّق الموت بينه و بين الحياة، و قبل أن يعلّق على أعواد المشنقة أنّكم أمة تستحق الحياة، تستحق الحرية التي تنعم أنت و أنا بها اليوم.