قال الله تعالى ضمن آيات الصيام الواردة في سورة البقرة: (وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
تأمل ما أعظم هذه النعمة و ما أعظمه من دين و هو يأمر أتباعه بتكبير الله و تعظيمه و حمده على نعمة الهداية.
هل تأملت يوما في معنى نعمة الهداية للإسلام؟ هل استشعرت بركتها و أحسست بعظيم فضل الله عليك بها أن جعلك مسلما؟ هل تفكرت في عظيم نعمة إدراك رمضان، و التوفيق فيه إلى الصيام و القيام و تلاوة القرآن؟ هل حمدت الله على هذه النعم كثيرا؟
إن نعمة الهداية للإسلام و لطاعة الله عز و جل هي أعظم نعمة ينعم الله عز و جل بها على عبده، و لما ذكر الله عز و جل في القرآن تمام النعمة على المسلمين جعل غاية ذلك حصول الهداية، فقال سبحانه: (وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة:150].
ألا تشعر في قلبك بلذة و حلاوة و جمال الهداية و قد أكرمت بعبادة الله تعالى و طاعته، ألا تشعر بالشرف و التكريم و أنت تركع و تسجد لله الواحد الأحد، خالق الخلق و مالك الملك و مدبر أمر السماوات و الأرض و من فيهن، و غيرك يسجد و يركع لحجر أو شجر أو بشر! فلك الحمد يا ربنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
إننا مأمورون في كل صلاة أن نسأل الله الهداية و الثبات، ففي كل يوم و في كل ركعة نقرأ هذا الدعاء القرآني العظيم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة:6].
و قد كان صلى الله عليه و سلم يكثر من سؤال الله الهداية و الثبات كما صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَ سَدِّدْنِي"، "اللهم إني أسألك الهدى و السداد)"، "اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدى و التُّقى"، و كان من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم أيضا أنه كان يقول: "اهْدِنِي لِما اخْتُلِفَ فيه مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَن تَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ"، و أول عبارة نقولها في دعاء قنوت الوتر: "اللهمَّ اهدِني فيمن هديتَ"، بل إن أكثر دعاء كان يدعوه النبي صلى الله عليه و سلم كما صح عنه هو سؤال الله الثبات على الهداية فكان يدعو دائما: "يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قَلبي على دينِكَ".
و إن نعمة الهداية هي بيد الله وحده، و لولا توفيق الله لنا ما اهتدينا و لا عرفناه و لا عبدناه، قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين)[القصص:56]، و قال تعالى:(لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَ لَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ)[البقرة:272]، و قال تعالى:(وَ مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل:53]، و قال تعالى: (وَ مَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88]، و قد كان صلى الله عليه و سلم يستظهر هذا المعنى في دعائه قائلا: "يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِكَ أستغيثُ أصلِح لي شأني كلَّهُ و لا تَكلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ"، و يُروى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال هذا الدعاء لما نزل عليه قول الله عز و جل: (وَ لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)[الإسراء: 74
و في حديث دعاء رفع الهم و الحزن يظهر هذا المعنى جليا من خلال إظهار الاحتياج و الافتقار إلى الله في قولك: "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أَمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك".
و مع ما سبق بيانه فيجب عليك أن تعلم أيضا أننا مأمورون ببذل الأسباب لنيل الهداية و الحفاظ عليها، كما قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أَهدكم"، و عند بذل هذا السبب و التزام الطاعات، يزيد الله لك في فضله و إنعامه و هدايته، كما قال تعالى: (وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَ آتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17].
و أخيرا تأمل أن أهل الجنة في الجنة يحمدون الله على نعمة الهداية عندما يرون ما أعد الله لهم من النعيم، قال تعالى عن حالهم: (وَ قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَ نُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:43].
لكل ما سبق يلهج القلب حمدا و تعظيما لله على نعمة الهداية، و تحقيقا و استجابة لقول الله تعالى: (وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
فلك الحمد يا ربنا على نعمة الهداية و الإسلام، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات و ملء الأرض و ملء ما بينهما، و ملء ما شئت يا ربنا من شيء بعد، و نسألك يا ربنا و يا مولانا أن تحفظ علينا ديننا و إيماننا و أن تثبتنا عليه، و أن تزيدنا إيماناً و قرباً و حباً فيك يا كريم يا رحيم يا رحمن. اللهم آمين و الحمد لله رب العالمين.