|
قصة من أساطير الأولين، تروي حكاية صراع بين ابن الأرض و ثعبان قتل ابنه، أراد أن يثأر من الثعبان، فاصطاده بقطعة خبز وضعها أمام جحره، و عندما خرج الثعبان من مخبأه انقض عليه الفلاح بفأسه، فقطع ذيله، و لم ينل من رأسه. هرع الثعبان إلى جحره، و بقي الفلاح في حيرة، فقد قتل ابنه بالأمس، و حاول أن يثأر و لم يفلح، و لا بد أن يقتل القاتل كي يشفي غليله، لكن جبن و تراجع. فكر ملياً، و لم يجد من بد إلا محاورة الثعبان، نادى عليه بأعلى صوته يطلب منه حواراً يؤدّي إلى مصالحة بينهما. فأجاب الثعبان متعالياً و متعجرفاً: لا صلح بيننا، لأنك كلما شاهدتني ستذكر أنني قتلت ابنك، و كلما رأيتك سأذكر أنك قطعت ذيلي. هكذا يخترق الظالم فكر المظلوم و إرادته، كلما قدّم له مبادرة لحوار، أو مسعًى لمصالحة، فهل فكرت يا ابن الأرض و صاحب الحق أن مساومتك على حقوقك تكشف ضعفك و قلة حيلتك؟! حتى لو حاورت عدوّك، و هو يعلم علم اليقين أنه يسلبك حقك و أغلى ما تملك و كرامتك، سيمضي في الاستهانة بك أكثر فأكثر، إلى أن يبتلعك. و لو تمكّنت في وقت ما أن تقطع منه جزءاً، سيعيد بناء أنسجته المسمومة، و يعود إليك بموت جديد، و استعلاء أكثر. و إذا داهمك الظن أن في نهاية نفق الحوار فرجة نجاة، و لا تدري نهايته إلى أين ستوصلك، و لا تملك سلاح القوة، فاعلم أنك ماضٍ إلى هلاك. من يركب بحراً هائجاً، بلا أدوات فعّالة قادرة على مواجهة العواصف العاتية، فهو ذاهب إلى غرق أكيد. و إذا تراجعت خطوةً، فستتبعها خطوات أخرى، و تنازلات أخرى، إلى أن تفقد حقوقك كلها، ثم تفقد وجودك و هويتك و انتماءك.. جوهر القصة الرمزية، إن التمسّك بالحق و التصميم على استرجاعه من مغتصبيه، هو السبيل الوحيد لتثبت قيمتك و كينونتك. لا تحاور عدوّك، ول ا تجنح إلى مصالحته، لأنك تعترف بتفوقه عليك، و اسلك الطريق الأسلم و الأنجع و الأوضح كي تسترجع حقوقك كلها، و على قدر أهل العزم تأتي العزائم... و لا تصاحب ضعاف النفوس و منكسي الأكتاف، الذين ضاقت بهم فسحات الأمل، فاستسلموا و رفعوا الراية البيضاء، فنافخ الكير يبث رياح السموم، و يجذبك لتتبع هواه. كن جسر بناء، يعبر عليه المخلصون القادرون على الصبر والعطاء، و لا تكن حفرة مظلمة عفنة، يسقط الجميع في مستنقعها، و دافع عن حقّك ما استطعت، فالله لا يحمل النفس إلا وسعها، و بالعزيمة و الإيمان تسلّح. فدرب الخلاص من الآلام و الرزايا أدمى جباه سمت و ما انحنت، و الدرب شائك و شاق و طويل، من جيل إلى جيل نحمل شعلة نورها يملأ الكون، لا و لن تنطفئ. فقافلة فئة قليلة مؤمنة، خير ألف مرّة من زبد يتناثر جفاء، و كما قال علي رضي الله عنه، لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه.
الرابط:
|
http://www.grenc.com/a/sawsan/show_Myarticle.cfm?id=22321