أخلاقنا تيجان على رؤوسنا، متى افتقدناها تهاوت عروشنا، ضاعت ممالكنا و سقطت هيبة سلطاننا. تفرق عنا الحشم، و تجرأ علينا الخدم، فتهنا في دروب وعرة من الذل و الخذلان، و صرنا إلى الهوان، فلا الأرض تقلنا و لا السماء تظلنا.
أخلاقنا حصون تحمي قلاعنا، و دروع واقيات لصدورنا، إن حرصنا على الارتقاء بها كنا في أمان، و سلم لنا الدين و العرض معا.
مدح رب العزة خلق نبيه الكريم (صلى الله عليه و سلم) فقال:{ و إنك لعلى خلق عظيم } القلم/04
و سئلت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) عن خلقه (عليه الصلاة و السلام) فأجابت :
{ كان خلق نبي الله القرآن } (1)
فهل حرصنا على أن نكون قرآنا يمشي على الأرض بأخلاقنا..؟؟
ليس بعيدا و الله منا ذلك، و لكنها الهمة و الصدق و الإقبال. و من رحمة الله أننا نؤجر على نياتنا
الصادقة، و إن توانى بنا الجهد و إن تخلف منا العمل؛ فالنية أبلغ من العمل، بل كثيرا ما كان
صدق النية سبيل التوفيق إلى أفضل الأعمال و أتمها.
ثم إن مدار الكلام كله في القرآن الكريم، بل و فيما سواه من الشرائع. يدور على محور الأخلاق.
إذ عليها تتوقف سعادة المرء أو شقاوته في الدارين؛ قال تعالى: { و نفس و ما سواها فألهمها
فجورها و تقواها قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها } (سورة الشمس/7-10)
فالتزكية التي هي تهذيب الأخلاق، و تربية النفس على الفضائل؛ هي سبيل الفوز و الفلاح.
أما الإعراض عنها - و هو ما عبرت عنه الآية بالتدسية أي التخبئة و التصغير- فذلك نهج
المفلسين السالكين سبيل الخيبة و الخسران. و في الحديث: " المفلس من أمتي من يأتي يوم
القيامة بصلاة و صيام و زكاة، و يأتي قد شتم هذا، و قذف هذا، و أكل مال هذا، و سفك دم هذا،
و ضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، و هذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل
أن يقتص ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرح عليه، ثم طرح في النار"(2)
فالأخلاق القرآنية كالأشجار المثمرة و الأزهار اليانعة، تحتاج منا إلى كبير رعاية و اهتمام.
أما السلوكات السيئة، و التصرفات المشينة، فمثلها كالحشائش الضارة، و الأشواك المؤذية
تنموا على ضفاف الأودية و المستنقعات.
و لا قيمة عندنا في الإسلام للتدين السلبي، الذي يفتقر صاحبه إلى دماثة الخلق و حسن السيرة.
كقصة المرأة التي كانت تقوم ليلها، و تصوم نهارها، لكنها تؤذي جيرانها. فسئل رسول الله
(صلى الله عليه و سلم) فقال :{ لا خير فيها هي في النار }(3)
و الخلق عندنا و الإيمان يتلازمان و يتكاملان. فيتمم أحدهما الآخر أو ينقصه ، قال عليه
الصلاة و السلام : { أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا } (4)
و ها هي بشرى رسول الله إلينا تزف؛ يعبق طهرها و يفوح أريجها. محفزا إيانا للسمو
الأخلاقي قال (صلى الله عليه و سلم): { إن من أحبكم إلي، و أقربكم مني مجالسا يوم
القيامة؛ أحاسنكم أخلاقا } (5)
فطوبى لمن حسن خلقه و كرمت سجاياه؛ فخفض كنفه و اجتمعت القلوب على محبته.
1)رواه مسلم
2)صحيح الترمذي
3) أخرجه الحاكم/ والإمام أحمد
4)رواه الترمذي/
حسن صحيح
5)رواه الترمذي/حسن