معنى المحرم:
المَحرَم هو الزوج و كل من يحرم عليه الزواج من المرأة على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة.
فالمقصود هو رعاية شئون المرأة و العناية بها في السفر و هذا لا يتأتى من الطفل الصغير .
و التأكيد في مسألة السفر على كونه كبيرًا أعظم منه في الخلوة التي لا يلزم فيها إلا كونه مميزًا يستحيى من مثله على الصحيح (انظر ص).
حكم سفر المرأة بلا محرم:
الأصل أن لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لتوافر الأدلة من السنة على ذلك و منها:
قول النبي صلى الله عليه و سلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم, و لا يدخل عليها رجل إِلا و معها محرم، فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا و كذا و امرأتي تريد الحج. فقال: اخرج معها" (البخاري 1763).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم"(البخاري 1038،مسلم 1339).
و قد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم و هي عامة في جميع أنواع السفر.
تحرير محل النزاع:
اتفق أهل العلم على جواز سفر المرأة بلا محرم للضرورة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، و الانتقال من البلد المخوفة إلى حيث البلاد الآمنة.
و اختلفوا في سفرها لحج الفريضة على قولين مشهورين عند أهل العلم.
و لكن هل يجوز سفر المرأة بدون محرم لغير ضرورة و لغير حج الفريضة و العمرة الواجبة كالسفر لتجارة أو زيارة أهل و نحو ذلك؟
1- ذهب جماهير أهل العلم إلى تحريم سفر المرأة بدون محرم لغير ضرورة و حكى بعضهم الإجماع عليه (حكاه القاضي عياض و البغوي) و لا يصح حكاية الإجماع لثبوت الخلاف قبل ذلك .
أدلة الجمهور: تواتر الأدلة العامة على تحريم سفر المرأة بلا محرم و لم تفرق بين أمن الطريق و غيره.
2- و ذهب آخرون إلى جواز السفر بدون محرم بشروط يمكن معها أمن الفتنة و الضرر، كرفقة نســـاء و أمن الطريق و غير ذلك وهو مروي عن الحســــن البصـــري و يـــروى عن الأوزاعي و داود الظاهري و قول عند الشافعية (المجموع 8/342) و هو قول عند الحنابلة اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره عنه أعلم الناس باختياراته ابن مفلح، و إن كان له قول آخر تجده في شرح العمدة (2/172-177) و الفتاوى الكبرى (5/381) و يبدو أن قوله الآخر - الموافق للجمهور- في أول حياته لا سيما و أنه في شرح العمدة الذي ألفه في أول أمره مقررًا للمذهب.
فقد ذكر ابن مفلح في (الفروع) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: "و عند شيخنا تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم، و قال: إن هذا متوجه في كل سفر طاعة كذا قال و نقله الكرابيسي عن الشافعي في حجة التطوع. و قال بعض أصحابه فيه و في كل سفر غير واجب كزيارة و تجارة " (الفروع 3/177).
و نقل النووي في المجموع (8/342): " قال الماوردي: و من أصحابنا من جوَّز خروجها مع نساء ثقات، كسفرها للحج الواجب، قال: و هذا خلاف نص الشافعي، قال أبو حامد: و من أصحابنا من قال: لها الخروج بغير محرم في أي سفر كان, واجبًا كان أو غيره".
وقال: "و لا يجوز في التطوع و سفر التجارة و الزيارة و نحوهما إلا بمحرم. و قال بعض أصحابنا: يجوز بغير نساء و لا امرأة إذا كان الطريق آمنًا. و بهذا قال الحسن البصري و داود، و قال مالك : لا يجوز بامرأة ثقة : و إنما يجوز بمحرم أو نسوة ثقات".
السفر بالطائرة و وسائل المواصلات الحديثة:
لا شك أن الله أنعم علينا هذه الأيام بتقريب المسافات و ذهاب كثير من الخوف و المهالك التي كانت تصيب الناس في سفرهم قديمًا عبر تيسير وجود الطائرات و القطارات السريعة و نحو ذلك, و ما كان يقطع في أيام و أسابيع صار يقطع في ساعات معدودة.
فهل تغيّر الأحوال و سهولة السفر اليوم تغيّر الحكم الشرعي في جواز سفر المرأة بلا محرم؟
إن قلنا: إن العلة من التحريـــم هي السفـر - و إن كانت الحكمة المحافظة على المرأة- (فالشارع يعلق الأحكام بالوصف الظاهر المنضبط و لا يعلقها بالحكمة التي يصعب ضبطها) فإن الحكم لا يختلف، فالحكم معلق بالسفر حتى و لو كانت الحكمة منها المحافظة على المرأة فنقول برأي الجمهور.
و إن قلنا إن العلة من التحريم صيانة المرأة و المحافظة عليها، فمتى ما حصل المعنى فقد تحقق الحكم الشرعي و تحصل مقصود الشارع .
و لا شك أن السفر بالطائرة اليوم بحيث يوصلها المحرم إلى المطار و يركبها الطائرة فتسافر في رفقة من الرجال و النساء و طاقم الطائرة، و يأخذها المحرم الآخر، أو الرفقــة المأمونـة من المطار الآخر فيه قدر كبير من الأمان و الحفاظ على المرأة، ربما أبلغ من سيرها في طرقات المدينة، و الأمور التي تحصل نادرًا في المطارات و الطائرات في حكم النادر و النادر لا حكم له.
و قد أفتى بذلك الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله (انظر فتاوى و رسائل الشيخ عبد الرزاق 1/201).
قال الإمام الباجي رحمه الله في كلام نفيس بعد نقل أقوال الفقهاء في سفر المرأة للحج بدون محرم: "و لعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا إنما هو في حال الانفراد و العدد اليسير، فأما القوافل العظيمة و الطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق و التجار فإن الأمن يحصل لها دون محــرم و لا امرأة، و قد روي هذا عن الأوزاعي" (المنتقى شرح الموطأ 3/17).
و يتأكد هذا عند النظر إلى:
قاعدة: "ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، و ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة ". كما قرر ذلك شيخ الإسلام و تلميذه ابن القيم رحمهما الله، و لا شك أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.
أن الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلَّف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، و أصل العادات الالتفات إلى المعاني كما قرر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله و أطال الاستدلال له (الموافقات 5/209).
ما جاء في حديث عدي بن حاتم مرفوعًا: "يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها". (البخاري 3400) فهو و إن كان من باب الإخبار إلا أنه في سياق مدح الزمان بانتشار الأمن و رفع منار الإسلام فيحمل على الجواز (انظر عمدة القاري 16/148).
فعلى هذا نقول :
الأولى أن لا تسافر المرأة بدون محرم مطلقًا فهذا أكمل في الحفاظ عليها و صيانة كرامتها إلا أنه :
يجوز للمرأة السفر بالطائرة مع رفقة مأمونة من النساء كعائلة مثلًا بالضوابط التي تحافظ على المرأة و تصونها في كل حالة بحسبها، و من تلك الضوابط:
1- إذا كانت هناك حاجة ملحة.
2- استأذنت ولي أمرها.
3- يصعب على المحرم مرافقتها أو امتنع من ذلك.
4- تحرص أن تكون ضمن رفقة نساء أو عائلة لتضمن من يجلس بجوارها.
5- ليس سفرًا طويلًا أو يخاف فيه من الإجراءات المعقدة، و ربما الانتظار لساعات أثناء التفتيـش و الدخول و التأكد من الأوراق الرسمية.
سفر الخادمة:
تتساءل كثير من العوائل عن حكم سفر الخادمة معهم أثناء تنقلاتهم لأنها بلا محرم، و في هذا السؤال قدر من الغرابة..!! ذلك لأنهم قد طلبوا تلك الخادمة أن تأتي بمفردها من أقاصي الدنيا إلى بلد و عائلة لا تعرفها، و لا شك أن العائلة اليوم هي آمن مكان لهذه المرأة في حلهم و ترحالهم و سفرهم و إقامتهم، و المقصد من مشروعية المحرم هو الحفاظ عليها و صيانتها، و على هذا فتنتقل و تسافر معهم؛ لأنهم أحفظ لها من بقائها.
الرابط: http://www.fikhguide.com/tourist/travel/209
* ملاحظة من المشرفة العامة علي الموقع السيدة عنيبة :
هذه الفتوي تخص أهل الخليج بشكل عام و أما نحن أهل المغرب و الجزائر خاصة فمرجعيتنا مالكية بالأساس و علينا بمراجعة فتاوي علماءنا الكرام.