حين تضيق السبل بالإنسان و تُحيط به النوائب من كل جانب و تتكالب عليه الهموم و الأحزان حينها فقط قد يتذكر ربه فيلجأ إليه و يطلب منه المدد و العون، أما المسلم المؤمن فيحيا دائمًا ذاكرًا لله شاكرًا لنعمه صابرًا محتسبا لابتلاءاته، مستحضرًا معيَّةِ الله في كل أحواله, موقِنًا بأنه سبحانه هو المدبر و المهيمن تجري كل المقادير بيده، و تتحرك كل الأحداث وَفْقًا لمشيئته، يقدر الأرزاق، و يتحكم في الكون و يدبر الأمور بعلمٍ و حكمةٍ؛ و لهذا فهو يتوكل عليه و يوقن به و يثق فيه دون سواه متمثلاً موقفَ سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي كان شعاره "فإنهم عدوٌّ لِي إلا ربُّ العالمين"، و الأسباب كما ذكرها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام "الذي خلقني .. فهو يَهدينِ..و الذي هو يُطعمني و يسقينِ و إذا مرِضْتُ فهو يَشفينِ و الذي يمتني ثم يحينِ و الذي أطمع أن يغفر لي خطئيتي يومَ الدين"؛ و هى أسباب جعلته يعيش بكِيانه كلِّه مع ربه، يتطلع إليه في ثقةٍ و يتوجه إليه في حبٍّ و يصفه كأنه يراه و يحس بنعمائه و فضائله بقلبه و مشاعره و جوارحه فيستسلم له استسلامًا مطلقًا في طمأنينةٍ و راحةٍ و ثقةٍ و يقينٍ.
و لقد كان ربه سبحانه دائمًا عند حسن ظنه به؛ إذ هداه للدين الحق و جعله أبًا للأنبياء و أنجاه من النار و من الملك الجبار و رزقه الولد على كبر من زوجة عاقر.
و أنبع الماء من تحت قدمي ابنه الرضيع، و عمر الأرض الصحراء الجرداء لأسرته، و نجى إسماعيل من الذبح شابًا، ثم شرفه و ابنه ببناء الكعبة المكرمة، و أمر الحجاج باتخاذ مكانه مصلى، و جعل في أبنائه ذريةَ الأنبياء و منهم خاتم الأنبياء صلى الله عليه و سلم، ثم فرض على المؤمنين ليوم الدين الصلاة و التسليم عليه في كل صلاة.
إنها بعض عطايا الرحمن الوهاب لِمَن يتوكل عليه و يثق به و يوقن بقدرته و يتعلق فقط بأسبابه و يقف دون كل الأبواب على بابه و يختار من بين كل الشعارات و اللافتات شعار"إلا ربُّ العالمين"