الحمد لله الرّب العظيم، الرؤوف الرحيم، ذي الفضل العظيم، و الإحسان العظيم، و الإحسان العميم، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك الله الملك الكريم، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله الذي قال فيه ( و إنّك لعل خلق عظيم ) القلم 4 ، أما بعد:
قال عزّ و جل : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلّكم تفلحون)المائدة 35، أمّا التقوى هنا فهي اجتناب الكفر، و الفسوق، و العصيان، و أمّا الجهاد في سبيله فهو بذل الجهد في مقاومة أهل الانحراف و الإلحاد و الكفران، أما ابتغاء الوسيلة إليه، فهي التقرب إليه بأصول الإيمان، و شرائع الإسلام، و حقائق الإحسان.
من تعبّد لله، أو دعاه بأسمائه و صفاته، فذاك أفضل الوسائل، و من توسل إليه بإحسانه و نعمه، و جوده و كرمه فقد سلك مسلك الأصفياء الأفاضل، و من تقرّب إليه بترك معاصيه، و العمل بما يرضيه فهو بلا شك إلى كل خير واصل، و من توسل إليه بحاجته و فقره، و ضرورته فقد توسل إليه بخير الوسائل، و من توسل إليه بذوات المخلوقين، و جاههم فهو مبتدع ظالم، و من دعا مخلوقا أو استغاث به، و زعم أنّه يتوسل به إلى الله فهو مشرك آثم، قال تعالى: ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب و يرجون رحمته و يخافون عذابه إنّ عذاب ربك كان محذورا) 57 الاسراء، المخلوق لا يملك لنفسه شيئا، و ما بلغ الأنبياء و الصالحون هذه المراتب إلاّ بخوفهم من الله، و رجائهم الرحمة منه.
علينا أن نتوسل إلى ربنا بكثرة السجود، و الركوع، نتوسل إليه بتلاوة كلامه بتدّبر و خشوع، نتوسل إليه جلّ علا بالإحسان إلى الخلق إن الله يحب المحسنين، و ببر الوالدين، و صلة الأرحام، فإن الله يصل الواصلين، و يقطع القاطعين، نتوسل إلى الله بخوفه و رجائه، و التوكل عليه.
فإنّ الله يحب المتوكلين، نتوسل إليه باللهج بذكره، و استغفاره فيا سعادة الذاكرين، نتوسل إليه بمحبة نبيّه، و كثرة الصلاة و السلام عليه، فمن أكثر الصلاة عليه كفاه الله همّه، و قضى حاجته، و من صلى عليه صلى الله عليه عشرة أضعافها، و نال حب النبي صلى الله عليه و شفاعته، نتوسل إلى الله تعالى بالحنو على اليتامى و الضعفاء، و نتقرب إليه برحمة البهائم، فإنما يرحم الله من عباده الرحماء، نتوسل إليه بسلامة الصدور من الفسق و الغل على المسلمين، و بالنصيحة و الشفقة على الخلق أجمعين.
نتوسل إلى الله بترك ما تدعوا له النفس الأمارة بالسوء من الهوى و التبعات، و بغض الأبصار، و صيانة اللسان، و البعد عن جميع المحرمات، نتوسل إلى الله بكمال الإخلاص للمعبود، و المتابعة للرسول صلى الله عليه و سلم، إذا حققنا التوسل ندرك كل مطلوب و مرغوب و مأمول، و ننجو من كل محذور و مكروه.