تقبل الله طاعتكم، و كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، نسأل الله تبارك و تعالى أن يعيده عليكم بالأمن و الإيمان و السلامة و الإسلام و التوفيق لما يحب و يرضى، و أن يجعل هذا العيد بشير خير و بركة على الأمة الإسلامية و أن يجعله نذير وبال و حسرة على أعداء هذه الأمة.
العيد هو أشبه بمحطة استراحة في رحلة الحياة، أو واحة في صحراء الحياة؛ و لذلك كانت الأمم تخترع المناسبات المختلفة من قديم لتحتفل فيها و تفرح و تمرح، و هذا أمر وجده الإسلام ثم أقره، فعيد الفطر و عيد الأضحى عيدا الإسلام، و قد ربط الله تعالى الأعياد في الإسلام بالفرائض الكبرى و بالعبادات الشعائرية العظمى، فربط عيد الفطر بفريضة الصيام، و ربط عيد الأضحى بفريضة الحج.
و قد ارتبطت أعياد المسلمين بمعنيين كبيرين، المعنى الرباني و المعنى الإنساني، فالمعنى الرباني و هو أن لا ينسى الإنسان ربه في العيد، فليس العيد انطلاقاً وراء الشهوات بل العيد يبدأ بالتكبير و بصلاة العيد و التقرب إلى الله عز و جل، فالعيد لا يعني التحرر من العبادات و الطاعات، افعل ما أشاء، أما المعنى الإنساني للعيد فيتمثل في الفرح و المرح و اللعب و الغناء و لبس الجديد، و أن يتواصل المسلم مع غيره.
و هناك ظاهرة نجدها في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم للأسف، و هي اقتصار الفرح و الطرب على الصغار فقط، رغم مشروعية الفرح و الطرب للصغار و الكبار، و في سيرة النبي صلى الله عليه و سلم أسوة ففي أحد الأعياد أذن للحبشة أن يرقصوا و يلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، و كان يشجعهم و يقول: "دونكم يا بني أرفدة" و سمح لزوجته عائشة أن تتسلق على كتفيه من الوراء و كان بيت النبي يطل على المسجد، و جعلها تنظر إلى هؤلاء الحبشة حتى هي شبعت و ملت فقال لها "حسبك؟" قالت له: "حسبي"، فالرسول كان يشجعهم على هذا لأنه يعلم أن هؤلاء القوم يهوون اللعب، و أيضاً دخل سيدنا أبو بكر على عائشة رضي الله عنها في عيد من الأعياد و عندها جاريتان تغنيان و تضربان بالدف بغناء من أغاني العرب من أيام الجاهلية، فانتهرهما سيدنا أبو بكر و قال "أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم"، و كان صلى الله عليه و سلم متكئاً و مغطى بثوب، فظن أبو بكر أن الرسول كان نائماً، و أن عائشة فعلت هذا دون إذن من الرسول، فكشف النبي صلى الله عليه و سلم وجهه و قال: "دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً و هذا عيدنا، حتى يعلم اليهود أن في ديننا فسحة و إني بعثت بحنيفية سمحة"، فالإسلام ليس بدين تزمت و لا دين تضييق، بل هو دين الفطرة و فطرة الإنسان، إنه يحب اللهو و اللعب و خاصة في هذه المناسبات.
و في المقابل نجد في العبادات كثيراً من الناس يذهبون إلى صلاة العيد وحدهم دون صغارهم، و يذهب الرجال و لا تذهب النساء، فهذه السنة أماتها المسلمون للأسف مع أن النبي عليه الصلاة و السلام شرع العيد ليكون مهرجاناً للأمة كلها للكبار و للصغار و للرجال و للنساء، حتى قالت أم عطية: أُمِرنا أن نُخرِج العواتق ـ يعني الأباكر المخبئات ـ في العيد يشهدن الخير و يحضرن الخطبة و يشهدن هذا المهرجان الجامع، فالإسلام جعل صلاة العيد في المصلى و لم يجعلها في المسجد؛ حتى يجتمع أهل الحي الواحد أو أهل البلد الواحد إن أمكن في مصلى واحد يهنئ بعضهم بعضاً و يصافح بعضهم بعضاً.