الحمد لله ، نحمده و نستعينه، و نصلي و نسلم على عبده و رسوله المبعوث من ربه رحمة للخلق، على آله و صحبه المهتدين بهديه، المستنين بسنته إلى يوم الدين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( تعس عبد الدينار و عبد الدرهم، و عبد الخميصة، إن أعطي رضي و إن لم يعط سخط ، تعس و انتكس ، و إذا شيك فلا انتقش) رواه اللبخاري
أشقى الناس من اتخذ إلهه هواه و شهوته، فيكون عمله كله لتحصيل هذه الشهوة و طلبها، فهو تارك ما خلق لأجله ؛ و هو عبادة الله تعالى.
("تعس" بفتح العين أو كسرها، أي خاب و هلك، و الدينار هو النقد من الذهب، و الدرهم هو النقد من الفضة، و هذا الحديث يبين أن الناس من يعبد الدنيا، أي يتذلل لها، و يخضع لها، و تكون مناه و غايته، فيغضب إذا فقدت، و يرضى إذا وجدت، و لهذا سمى النبي صلى الله عليه و سلم من هذا شأنه عبدا لها، و في رواية "تعس بد الخميصة تعس عبد الخميلة" هذا الذي يعنى بمظهره و أثاثه، لأن الخميصة كساء جميل، و الخميلة فراش وثير، ليس له هم إلاّ هذا الأمر، صار عبدا لهذه الأمور لأنه صرف لها جهوده و همته" إذا أعطي رضي و إذا منع سخط" ، يحتمل أن يكون المعطي هو الله؛ فيكون الإعطاء قدريا، أي: إذا قدر الله له العطاء و الرزق رضي و انشرح صدره، و إن منع و حرم المال سخط بقلبه، و لسانه، كأن يقول:لماذا كنت فقيرا و هذا غنيا؟ و ما أشبه ذلك، فيكون ساخطا على قضاء الله تعالى و قدره ؛ لأن الله منعه، و الله سبحانه يعطي و يمنع بحكمة، يعطي الدنيا لمن يحب، و لمن لا يحب، أم الدين فيعطيه إلا لمن يحب، و الواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله و قدره، إن أعطي شكر، و إن منع صبر. كما يحتمل أن يراد بالإعطاء هنا بالإعطاء الشرعي، أي: إن أعطي من مال يستحقه من الأموال الشرعية رضي و إن لم يعط سخط، و كلا المعنيين حق، و هما يدلان على أن هذا الرجل لا يرضى إلا للمال، و لا يسخط إلا له، و لهذا سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبدا له.
قوله "تعس و انتكس"تعس أي خاب و هلك، و انتكس أي انتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له، كلما أرد شيئا انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد، و لهذا قال:" و إذا شيك فلا انتقش"أي إذا أصابته شوكة لا يستطيع أن يزيل ما يِؤذيه عن نفسه، و هذه الجمل الثلاث يحتمل أن تكون خبرا منه صلى الله عليه و سلم عن حال هذا الرجل؛ أنه في تعاسة، و انتكاس و عدم خلاص من الأذي، و يحتمل أن تكون من باب الدعاء على من هذه حاله؛ لأنه لا يهتم إلا للدنيا، فلا يصيب من الدنيا شيئا، و لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه، و قد يصل إلى الشرك عندما يصده ذلك عن طاعة الله، حتى أصبح لا يرضى إلا للمال و لا يسخط إلا له.) القول المفيد على كتاب التوحيد لشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى.
الانتقاش هو إخراج الشوك بالمناقيش؛ و هو دليل على سوء حال هؤلاء؛ لا يخرجون من الشر، المؤمن على خير، و إذا أصابه شيء إنما يعالج الأمر( أتبع الحسنة السيئة تمحها)، فهو كالطبيب يعالج نفسه، أهل الفضل و العلم هم الذين يعالجون أنفسهم يبادرون الطاعة بعد المعصية حتى ينجون و يعالجون النقص، فإن تعهد الأشياء قبل أن يعتريها الخلل أول بأول أدعى لبقائها، كذلك الإيمان لا بد من المبادرة فاستعبدتني و لو عصيتها لكنت حرا ليس هناك أشرف للإنسان من أن يتحرر من كل هذا بعبودية الرحمان، كلما كانت العبادة أكمل كلما استغنى العبد بربه عن غيره.
من معالجة نقص الإيمان و هذا حسب العلم. و هكذا كل من تعلق بالرئاسة و غيرها.
أطعت مطامعي .