جلس عمر بن عبد العزيز مع الحسن البصريّ، فقال له عمر: بمن أستعين على الحكم يا بصريّ؟، قال: يا أمير المؤمنين، أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم، و أما أهل الدين فلا حاجة لهم بك، فتعجب عمر بن عبد العزيز و قال له: فبمن أستعين؟ قال: عليك بأهل الشرف، فإن شرفهم يمنعهم عن الخيانة
وصيّة جامعة أسداها شيخ التابعين الزهاد إلى أمير المؤمنين المجاهد العادل، تدل على عمق بصيرة و نفاذ تجربة و صفاء رؤية و وضوح المسألة و الطلب.
عليك بأهل الشرف، جملة قاطعة أتت بعد حيرة و تعدد مسالك التفكر في البدلاء، هديّة مجرّب يعلم حال السائل و قيمة الدواء المعطى له، نصيحة مؤدب يدري وضع زمانه، و حاجة الأمير و ما يصلحه.
و جملة أهل الشرف من المعاني المركبة التي تعرّف بخصائصها و مكوناتها و ميزاتها و سماتها.
و لمن يتصف بهذا المعنى الراقي صفتان لا تنفكان عن أخلاقه، و لا تغيبان عن خلاله، و لا تنأيان عن خصاله، و اكتفينا بهما لعظمهما و لو وجدا لوُجد غيرهما فهما أسّ البنيان ، و أعمدة قيم الإنسان ألا و هما : الصدق و الأمانة.
1) الصدق: صدق التوجه إلى الله تعالى و ابتغاء مرضاته في كل عمل و حركة و سكون.
صدق الحديث مع الناس و الوفاء بالوعد و إنجاز العهد، بلطف أصحاب القيم الحسنة و الأعمال الطيبة.
صدق النصيحة في ثوب الشفقة،المعطرة برائحة الحبّ،المحاطة بأكفّ التجرّد.
صدق البذل و التضحية لإعلاء مبدأ الحق و راية المجد و عَلَم الهدى، لا جريا وراء العرض الزائل و الغاية الضئيلة و اتباع كل ردى.
صدق التمسك بالحقائق و الثوابت في وقت اختلاف السبل و الطرائق، الشعار الوحيد المنصوب بين الأفئدة و العيون: لو كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مكاني ماذا كان تصرفه؟.
2) الأمانة: أمانة أخذ أيّ أمر بإتقانه، و تجويده و تحسينه، و إخراجه بأفضل حلّة.
أمانة أداء النصيحة و صدق الرعاية و توريث الخير و المعروف للأجيال اللاحقة، و الدعاء بالتوفيق لمن يخلف سواء في المناصب أو الهيئات...
أمانة تسديد فواتير الحق و ضرائب الاستقامة و مبالغ طريق الله تعالى، من المال و العرق و الانشغال و التضييق، و ليس الملازمة وقت الطمع و الهرب عند الفزع.
أمانة نكران الذات و تغليب مصلحة المجتمع و البلد و الأمة على المصلحة الشخصية الضيقة، و ليس كما قال الأوّل: " أنا، و بعدي الطوفان ".
أمانة تحمل المسؤوليات و تأدية الواجبات، و إعطاء الحقوق لأصحابها و مراعاة حق الله قبل كل شيء.
و لكن......أين أهل الشرف؟؟؟
أينمن ترفّع عن الخيانة و قال معاذ الله.
أين من وُضع المال و الجاه بين يديه ليظلم أو يشهد زورا أو يبدّل رأيا صوابا، فقال إني أخاف الله.
أين من لا ينعق مع كل ناعق، و لا يتبع كل مهرول، و لا يصدق عليه المثل الشعبي القائل: " يأكل مع كل عريس، و يصفق لكل رئيس ".
أين من ساوموه بالمنصب السامق، و القصر ذو الأبنية و السجاجيد و النمارق، و الحسناء الباهية المفارق، على كذب حديث أو نصب عوائق، فقال حاله قبل مقاله: لا و ربي و لو علقتم لي المشانق.
اعلموا رحمكم الله ، أن ديننا دين من باع لله نفسه، و قال لله صادقا في دعواه، يا ربّ هذه نفسي بين يديك مسلّمة إليك، استعملها و لا تستبدلها، لا تصلح إلا بك و بمنهجك، و لا تُطوّع إلا عند شرعك و على أعتاب هديك، فهناك يقول الله: طوبى للبائع و هنيئا له الثمن..." إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة..."
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.