كان وجه صديق الوالد متجهما، و قد عبر لي عن غضبه العميق لم بدر مني:
-كيف تغادرين بعد الإفطار بيتي في غيابي، و بدون إذني يا ابنتي؟ سألني.
كنت أكره إضاعة الوقت في الشرح خاصة أن ذلك اليوم كان طويلا و كنت قد عدت متعبة . فأجبت الرجل ببرودة دم مقلقة:
-أتفهم تماما غضبك عمي، لكن في حدود علمي لم أقترف جريمة ! أعلم أنه كان يتعين علي استئذانك، لكنك كنت غائبا، و كنت ستتأخر، و فرصة زيارة صديقتي و بيتنا العائلي ما كانت لتتكرر مرة أخرى، لذا قررت بمحض إرادتي الذهاب، و الحمد لله لم يقع لي أي مكروه، و والد صديقة الطفولة يعرفه جيدا بابا و يثق به تماما.
فنظر إلي صديق والدي لبعض اللحظات غير مقتنع بكلامي، سكت هنيهات من الزمن ثم قال لي:
-سأتصل بعد قليل بوالدك. أنت لم تعتذري لي عن فعلتك و أنا غير راض على سلوكك.
لأول مرة ابتسمت ابتسامة شقية و قلت له:
-جميل اشتكيني لوالدي و أنا مستعدة لتحمل عقاب بابا ! تصبح على خير عمي.
و تركت الرجل مشدوها !
في وجبة السحور لم يتكلم أحد معي، و في صبيحة اليوم التالي، كنت أتوقع استدعاء من صديق والدي لكنه لم يفعل، فاضطررت لسؤاله قبل الإفطار بقليل:
-تكلمت مع والدي عمي بخصوص فعلتي البارحة ؟
-نعم تكلمت معه و لم يعجبه ما فعلتِ، أجابني صديق الوالد.
-و ماذا قرر بابا بشأني عمي؟
-لا شيء، لم يقرر شيء، طلب مني أن تكملي إقامتك في بيتي بشكل عادي.
كدت حينها أن أبتسم ابتسامة أكثر إشراقا و شقاوة، لكنني امتنعت عن ذلك احتراما لمُضيفي، و أمضيت عطلتي بشكل سعيد جدا و مفرح، و بعدها عُدت أدراجي إلى تونس.
كان بابا ينتظرني عند نزولي من الطائرة، فهو له تسهيلات بحكم منصبه لا يحصل عليها المواطن العادي، و بمجرد ما وقعت عيناي على أبي فهمت أنه غاضب مني، و كنت أعلم بالسبب. فتماسكت و سلمت عليه بحرارة ثم تبعته.
-بابا أنت غاضب مني، أليس كذلك؟
-نعم جدا، عفاف بنيتي كيف لا تستأذني صديقي لزيارة صديقة طفولتك ؟ هل هذا سلوك إبنة مطيعة و مهذبة ؟
قال لي و هو يحاول التحكم في نبرة صوته الغاضبة.
بهدوء شديد قمت بشرح موقفي و أنهيته بما يلي:
-بابا أعدك بأن مثل هذا السلوك لن يتكرر مني، لكنني شعرت حينها أنني أحسنت الفعل لهذا أقدمت على ذلك، و لم تكن نيتي بتاتا عدم احترام صديقك. بابا صدقني نيتي كانت سليمة.
بقي للحظات يرمقني غير راض، ثم عندما رآني صادقة في قولي له، هدأ و استطرد قائلا:
-جيد؛ أنت تعهدت بأن لا يتكرر مثل هذا السلوك منك.
أومأت برأسي و أنا أصعد معه السيارة، وضعنا الحزام الأمني بعدما حرص على وضع حقيبتي الصغيرة خلفنا.
حرك محرك السيارة، و بعد دقائق انطلق، ثم استدار إلي مبتسما:
-آه عفاف ! هل إستمتعت بعطلتك بنيتي؟
فضحكت من قلبي و قلت له:
-نعم بابا ! كانت رائعة عطلتي في الجزائر، أشكرك على ثقتك بي. أرجو منك أن تجيبني على سؤال واحد من فضلك؟
-ما هو عفاف؟
-حينما أخبرك صديقك بفعلتي تلك الغير اللائقة، لماذا لم تقرر معاقبتي و تطلب مني العودة إلى تونس؟
فأبتسم والدي رحمه الله :
-لم يكن يستدعي الأمر عقاب عفاف، فضلت أن أتركك ترتاحين و عند عودتك اكتفي بتوبيخك لئلا تكررين فعلك !
هكذا رباني مختار عنيبة رحمه الله، رحمك الله بابا و جعلك من الراضيين المرضيين في جنة الفردوس إن شاء الله.