الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين، و على آله و صحبه و بعد:
الأساس في بناء المسلم هو التوحيد، و أجمع أهل الخبرة بالبناء؛ أنّ البناء الذي لا أساس له آيل للسقوط، فما أسهل انهياره و خرابه، و لربما انقض برياح عاصفة، فكيف إذا أراد عدو هدمه و نقضه،
للموحد أعداء من شياطين الجن و الأنس، بل كلما درج في درجات العلم و الدين؛ كلما كثر أعداءه من شياطين الجن و الإنس.
التوحيد أعظم نعمة امتن بها على الموحدين، و هو مكفر للذنوب، قال تعالى:{ الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون} الأنعام 82
الظلم خاف منه الصحابة رضي الله عنهم و هو الشرك، لن يتحقق الأمن إلاّ بتحقيق التوحيد و نفي الشرك بجميع صوره. الأمن بجميع صوره: الأمن القومي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن من الكوارث، الأمن من الفساد الاجتماعي و المالي و غيره من الآفات.
أيضا من الفوائد أن البناء تختلف أحجاره في القوة و الجمال، و في الصلابة، و هكذا المجتمع المسلم في ترابطه، و تماسكه، ليسوا في قوة واحدة، ففيهم القوي، و فيهم الضعيف، و فيهم من هم زينة للمجتمع المسلم، كذلك الحجارة فيها القوي و الضعيف.
لعلكم تسمعون بمثل يقال فيه حجر الزاوية، ماهو حجر الزاوية؟ حجر الزاوية هو أفضل الأحجار؛ لأن له جانبان، البنّاء الخبير يضعه في الزاوية؛ لأنه يربط بين الجدارين، و أضعف ما يكون في الجدار عندما يلتقي الجدار بالآخر، يربط بحجر له جانبين، هذا النوع من الحجارة هو أنفسها و يسمى حجر الزاوية، كذلك يضرب به المثل عند العرب في الرجل الحكيم؛ يقال أنه حجر الزاوية لما؟ لأنه يربط بين الناس و هم يجتمعون عليه، و يتآلفون به كهذا الحجر الذي جعل في الزاوية فربط بين الجدارين، و بالإضافة إلى ربطه هو في جمال، و في مكان عظيم، فإذا جعل على هذا المكان فهو على ثغرة عظيمة.
كذلك من حيث الجمال فإن من الحجارة ما يكون جميل و قوي، و منها ما يكون قوي من غير جمال، أو منها ما يكون فيه جمال من غير قوة، و كذلك المسلمون يتفاوتون في قوة إيمانهم، منهم من تكون له أخلاق لكن فيه ضعف في بعض الأمور و هذا بمنزلة الجمال الذي فيه ضعف في الأصل، و هناك من يكون له قوة في الاعتقاد مع حسن خلق، و هذا كالقوة مع الجمال، و هذا التشبيه فيه أوجه كثيرة لمن تأمله.
كذلك البنيان له خصائص أخرى فإن الحجارة الكبيرة تكون صالحة للبناء؛ و لكن تحتاج إلى الحجارة الصغيرة التي ترتكز عليها، و تستند عليها، و تصلح أن تكون في هذا البنيان، و هذه الخصائص بمنزلة النصح، إذا ناب بعضهم نقصا و تقصيرا، فإن نصح المسلم للأئمة و الولاة كان كالحجارة الصغيرة التي تسند الحجارة الكبيرة.
هذا التشبيه البليغ يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم لا ينطق عن الهوى، و أن هذا الحديث الذي لا يتجاوز سطر أتى بكل هذه المعاني العظيمة و فوائدها.
هذا و الله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.