الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و سلم و بعد:
"عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى رجلا عليه حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، قال صلى الله عليه و سلم:" انزعها، فإنها لا تزيدك إلاّ وهنا". الواهنة مرض يصيب الظهر، فقال:" انزعها" يدل على الوجوب، هذا في الدنيا، ثم قال صلى الله عليه و سّلم:" فإنك لو متّ و هي عليك لا تفلح أبدا". رواه ابن حبان في صحيحه.
الوهن الضعف، لا تزيدك، لم يقل لا ترفع عنك الوهن، بل قال : ستزيدك وهنا و ضعفا، هذا الضعف حسي و معنوي.
العلاج المشروع إمّا بالرقية أو بالأدوية، هذا الحسي، أما المعنوي أنه إذا تعلق بها فقد التوكل على الله عزّ و جل، و هو من أعظم أسباب دفع البلاء و جلب الخير، و هذا هو الضعف، ضعف في الدين ضعف في الاعتقاد، و لهذا تجد أكثر الناس أمراضا هم من يعلقون التمائم الشركية، و أقوى الناس هم أهل التوكل على الله.
لا تزيدك إلاّ وهنا في عبادتك و في عقيدتك، و في توكلك، و في دفع الأمراض، و هذا في الدنيا، لا ترفع عنك المرض بل تجلب لك الوهن، و صاحبها فقد أعظم الأسباب؛ و هو التوكل على الله، و تعلق بحديدة.
الوهن و الضعف أصاب بدنه، و عقيدته، و إرادته، و هو ضعف يصيب الإرادة و القصد، و كذلك البدن.
"لو مت و هي عليك ما أفلحت أبدا" الفلاح هو الفوز؛ أي ما فزت بعد موتك، و الناس مختلفون في الأسباب، الجبرية يقولون أن الأسباب لا فائدة منها، هذا إنكار لما هو محسوس و معلوم، و هذه الأسباب خلقها الله مؤثرة، أثر السكين في القطع، أثر هذه الحوادث في موت بعض الناس، و جرح بعضهم، و المطر سبب للإنبات. و المسلك الثاني من اعتمد على الأسباب كلية، و أن العبد يدخل الجنة بعمله، ، فعندما يقطع بالمنشار الخشب بقوة و إرادة هذا الذي يقطع، و أنه لم يحصل من الله توفيق و إعانة منه عزّ و جل، بل قطع بمحض مشيئته و إرادته، و هذا غلو في الأسباب، و الصحيح أن ما عليه الأئمة و أهل السنة، أنّ هذه الأسباب جعلها الله تعالى أسبابا لمسببات، و لكن لا تكون مؤثرة إلاّ بإرادة الله، و لو شاء الله إبطال تأثيرها، لأبطله.
الله جلّ جلاله شاء أن تكون النار التي ألقي فيها إبراهيم عليه السلام بردا و سلاما عليه، الأصل أنها محرقة، فلما أمرها الله تعطّل أثرها، و هكذا السّم، قاتل، و قد أكل خالد بن الوليد السّم توكلا على الله في مناضرة لبعض الكفار، فلم يضره، لأن الله لم يشأ أن يكون لهذا السم أثر، و من هذا أيضا العدوى، هي سبب؛ و لكن ليست مؤثرة بنفسها، و قال صلى الله عليه و سلم:( فرّ من المجذوم فرارك من الأسد)، و هذا إثبات السبب و لكن مؤثرة إلاّ بإرادة الله، و هذا هو الصحيح في الأسباب، جعلها الله أسبابا بل خلق بها، خلق الإنسان بالزواج، و جعل أسبابا لمسببات، فلا ننكر الأسباب و لا نغلوا فيها.
توهم الأسباب؛ أي يظن أنها سبب، شاع في الجاهلية أن بعض التمائم رافعة لبعض الأمراض، و هذا ليس بسبب، لم يأتي في الشرع أنها سبب، و لم يعرف في السنن الكونية أنها تنفع في رفع الأمراض، بل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:" لا تزيدك إلاّ وهنا"، و هذه فيها مخالفة من جهتين:
أولا: جعل شيء سببا و هو ليس كذلك.
ثانيا: من جهة اعتماد القلب على هذا الأمر، حتى يصل الأمر إلى الشرك الأكبر.
ما علق على الجسد على نوعين: من أجل التداوي؛ ما علق طبيا لأجل منع تدفق الدم، كالأربطة و جبيرة الكسور، و كالمسامير و الحديد و البلاستيك، و منع تسرب السّم، هذا معروف و ما زال يستخدم.
ما علق و ليس له تأثير معروف لا عند الأطباء، و لا عند التجربة، حديدة توضع في اليد و يقال تنفع، هذه هي الحلق المحرمة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه و سلم هذا الحديث.
قال صلى الله عليه و سلم:" من تعلق شيئا وكل إليه" قد يكون التعلق بالبدن، أو تعلق بالقلب، و يدخل في هذا تعلق القلب بغير الله، و اعتماد القلوب على غير الله، لا يجوز لمسلم أن يتعلق بغير الله التعلق التام، لا يجوز في الشرع التوكل على المخلوق، يجوز التوكيل و لا يجوز التوكل، أمّا اعتقاد الأسباب فهذا لا ينكره أحد من أهل الّسنة، ( و كل إليه) أي إلى ذلك الذي تعلقه، إن علق أخرازا، أو أحجارا، أو خيوطا، وكل إليها، و إن توكل على مخلوق وكل إليه، و هذا من أعظم الضرر، أن يكون العبد في خذلان من أمره، و هذا غاية الخذلان، حرم من توفيق الله و إعانته، هذا من أعظم الضرر الذي يلحق هذا المتعلق في دينه و دنياه، لا ينفد له أمره و يخذل، و في الآخرة يتعلق قلبه بغير الله فيتضرر، و ربما وقع في الشرك.
أعظم الناس توفيقا، و أسرعهم توفيقا هم المتوكلون على الله العظيم."1
- 1.من شرح كتاب التوحيد لفضيلة الشيخ إبراهيم بن عامر الرحيلي أستاذ العقيدة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.