{{بذرة الشرّ تهيج ،ولكنّ بذرة الخير تثمر}
شتّان حقا بين البذرة المرّة المنبثقة عبر الغبار و الوحل، شاقّة بأذرعها الواهية الفارغة عنان الفضاء، و بين البذرة الحلوة المتمهّلة بانطلاقتها، تحمل الأوراق المخضرّة ثم الزهور الأرجة، و من بعدها ينعقد ثمرها النافع، فيصير قطافها موسم خير و بركة، و عطاء رزق و يسر و رخاء، هنا مثال يعيش فينا ويحذّرنا أن نكون في الحياة كتلك البذرة الخواء، التي انطلقت دون نظام و لا هدف محدد، فإذا مصيرها اليباس و الاصفرار، و التطاير جذاذا من حطام، و يدعونا ان نكون بذرة خير، نبتت لتحيي القلوب، و توسّع على الخلق، و تعيش لسنين و هي تمد الكون بكل ايجابيات وجودها و خيرات عطاءها.
بذرة الشرّ تهيج، لأنّ الشرّ يتطاير ذرّات حارقة كالشرر المنفلت من النار اللاهبة، فيحطّ أينما اتفق، دون تمييز، فيحرق و يدع العمران خرابا، و يلقي بلهيبه المستعر على براعم الحياة المورقة المتفتحة بالوعود المشرقة، فيحيلها الى أشياء متفحّمة، بعد أن كانت تنطق بالحياة، و هي تهيج و تكبر و تعمى، حتى ماتعود ترى الا السواد و الخراب و الأذى اذ ينفخ فيها الشيطان و يوهمها بأنّها أكبر من كل شيء، و أقدر من كلّ قدرة، و أعظم شانا من كل من يقف في وجهها، فتنهال على الأعداء المفترضين قتلا و افناء و تحبيطا و إذلالا، تزرع الشؤم و البلاء، و كيف لا تفعل و هي وليدة الشيطان و النفس و الهوى و الضلال؟؟
و على ضفة الحياة المقابلة، بذور زرعتها أيد طاهرة، و تعهّدتها قلوب مؤمنة، و حفظتها صدور رحبة حانية، و سقتها عيون مخبتة منيبة الى ربّها، فصبرت على بذرة الشرّ و هي تحاول اقتلاعها، و تقف في وجه نموّها، و تتربّص بها لحظة بلحظة، و قد ظنّت أنّها قادرة على ذلك، و لكنّ الخير الكامن في تلافيف الجذور، المندفع عبر اخضرار الوريقات الندية، و الواعد بالعطاء الماثل في نور الزهر، و عطره و حلاوة الثمر و فيضه، كلّ هذا يقف هازئا بتلك المحاولات الشرّيرة لطمس الحق و الخير و القسط و التوفيق الربّاني، و كلّ هذا يقف صابرا منتظرا الوعد الصادق بزوال البذرة الخبيثة و الغصون الشائكة المتوعّدة، و الشرر المتطاير الذي تتلاعب به ريح الفساد و الطغيان، لتجعل منه سيفا مسلّطا على رقاب الخيّرين الاطهار.
و لا يفزع الشرّ الخير ابدا، فالقلوب المليئة ذكرا و شكرا و طمأنينة و رضى، تركن إلى ربّها القويّ العزيز، فتسري فيها روح العزة و الكرامة و القوة و الاستبسال، و تمضي غير هيّابة باتجاه الهدف الذي وضعته نصب عينيها، و هو رضى الرب المعبود المرتجى المقصود، و تسلك إلى هذا الهدف طريق الطّاعة المتمثلة في قول ربّها {يا أيّهاالذين امنوا اركعوا و اسجدوا و افعلوا الخير لعلّكم تفلحون}
فهوالفلاح إذن، غاية المأمول و منية الطالب، فانّى للشرّ الزائف الهائج المماري أن ينال من بذرة غرست لتبقى و تمتد، و تتناقلها الأجيال المتعاقبة على هذه الارض، في رحلة تسري عبر الزمان برعاية الله سبحانه، الذي يزن الخير و الشرّ بالمثقال الصغير، كي لا تضيع منه ذرّة مهما صغرت أو كبرت
فيا من تسعون الى الجنة و الرضوان و الجوار الكريم، عليكم بتلك البذرة الخيّرة المودعة في قلوبكم، تعاهدوها بالنّماء و التقويم و الثبات و الإمتداد، حتى تلقوا ربّكم و قد رضيتم عنه و رضي عنكم {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره}