خلق الله تعالى الكون ذو نظام بديع، و وضع لهذا النظام سننا يسير وفقها و يمشي على إثرها، تتميز بالثبات أمام الجميع فلا تحابي أحدا و لا تجري على مراد آخر بل هي راسخة ثابتة " و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا "، و من هذه السنن سنّة التدافع بين الحق و الباطل و الخير و الشر و الهدى و الضلال. قال الله متحدثا عن ذلك     " و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين".

و إن ما يحدث هذه الأيام في مصر الحبيبة لهو من هذا الأمر و ذاك السبب، و لكن الأمر عند التأمل و التمحيص يمكن أن يُفهم.

 كيف لا يتدافع الناس على التمكين لدين الله و نهضة الأمة؟، كيف لا يتدافع الناس عند خنق الفساد و وأد الفاسدين؟، ألا يتدافع الناس ليُريَنا الله ثبات الرجال و صلابة المواقف و عمق الإيمان و جلاء الرؤية، و معرفة من معنا ممن يزعم معيّتنا؟.

و إن قضية عزل الرئيس – المؤقتة إن شاء الله – لهي حلقة من حلقات التدافع، و خطوة من خطوات التمحيص و التمييز.

و تبعا لما وضعناه من عنوان فإنه من المتوقع و الطبيعي بل من الواجب عليهم أن يعزلوه، و السبب ببساطة لأنه أزعجهم و أقلقهم و أفزعهم، و إني أتحدث بلغة الجمع عن كل المناوئين المختلفين فيما بينهم و المتفقين المتحصنين ببعض عند مواجهة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي أبرز لنا على رأسه و ممثلا له هذا الرجل المتجرد العفيف البطل.

كيف لا يزعجهم و كيف لا يعزلوه و قد أتى ليجهز على الخزعبلات و يقود مصر إلى مصافّ الكبار و يضرب لهم في نفسه و أهله أروع أمثلة الكفاف و غنى النفس ؟.

كيف لا يعزلوه و هو الرئيس المصري الوحيد الذي اختاره شعبه، و لا ينتمي لإلههم العسكر، و على وجهه و في كلامه آثار القرآن و السنة ؟.

كيف لا يعزلوه و يتآمروا على إسقاطه و هو الرئيس العربي الوحيد الذي لم يفز في انتخابات نتيجتها 99.99% ، و ينتمي لتيار يقول: الرسول قدوتنا و القرآن دستورنا و ليس واشنطن و موسكو وليّ نعمتنا و هادينا إلى صراطنا؟.

كيف لا يعزلوه و هو الرئيس الذي ضرب لهم أسمى أمثلة المدنية و تكافؤ الفرص، فرفع قضايا على خصومه و لم يقتلهم في ظلمات الليالي أو يلفق لهم تهم التحريض و التكدير، و هو الذي يسمح بانتقاده علانية في وقت كان سابقوه يعاقبون إن لم يُمدَحوا بالكذب؟.

كيف لا يعزلوه و هو الذي قدّم العلماء و شاور الفقهاء، و استنصح المربين و استمع للمساكين، و قال لهم من اليوم سنحيا شرفاء؟.

لهذه الأسباب و غيرها كثير قام الخصوم بهذه الحركة الغبيّة التي تنمّ عن تذبذب و ارتباك و عدم رزانة و رويّة، و قد قاموا بخطوتهم هذه تأسيّا بالقاعدة الأصوليّة القائلة " دفع المضرة أولى من جلب المصلحة " و قاعدة " عند التعارض نقدم أخف الضررين و أهون الشرّين".

فهم قدموا دفع المضرة عنهم و عن فسادهم و عن فضحهم و ملاحقتهم، على منفعة ازدهار مصر وتماسكها و ارتقائها هي و كل الأمة تبعا لها، و لمّا تعارض في عقولهم العفنة ضرر وأد مشروع نهضة البلد و ريادتها و ضرر أشخاصهم و منافعهم و امتيازاتهم، أملى إبليس عليهم الاختيار فقالوا " أنا، و بعدي الطوفان ".

و يلفت انتباهي هنا فكرة في الختام، و هي أولوية تنمية العزة و غرس مقت الضيم في نفوس أفرادنا الذين أصبح لا يستهويهم المسؤول البسيط المتواضع الذي يأتي منهم و يستشيرهم و يرأف بهم، بل يفضّلون من يمرّغهم في الوحل و يضربهم بكرة و عشيّا، و يخنق أنفاسهم و يتابعهم حتى في أحلامهم، و ما أجمل قول شهيد العزة و الحرية سيّد قطب حين وصف بعضنا قائلا : العبيد هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد اَخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية، لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لا بد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد أحسّت نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد، وتراموا على الأعتاب يتمسحون بها، ولا ينتظروا إلا الإشارة من إصبع السيّد ليخروا له ساجدين.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.