قد يعجب القراء الكرام من العنوان أعلاه الذي اخترته لمقالي هذا، و لهم العذر كل العذر في ذلك، فهم أينما ولوا وجوههم لا يرون إلا رايات هذه النظم تخفق في الأفق، و قد يقولون معلقين على ذلك، ألا يعي هذا الرجل ما يقول؟ أنى له أن يزعم هذا الزعم وهذا وطننا العربي الذي هبت عليه ريح الربيع العربي عاصفة فأطاحت بأعتى النظم الجبرية ، و لكنها رغم ذلك ما لبثت أن عادت، فهذا المالكي في العراق، و بشار في سوريا، و السيسي في مصر يعصفون بخلق الله و يجرعونهم ألوان العذاب، فضلا عن الملكيات العربية التي هي بطبعها أقرب إلى النظم الجبرية منها إلى الديموقراطيات لا زالت قائمة في الوطن العربي شرقه و غربه، فكيف يزعم ذلك و يدعيه؟
و الرد على هؤلاء الذين يرون أنني بالغت في التفاؤل أن النظم الجبرية سواء أكانت في وطننا العربي أم في الأماكن الأخرى من العالم هي إلى زوال فعلا، و ما نراه لا يزال قائما منها اليوم، قد دخل مرحلة الاحتضار، و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، و ذلك لأن الإنسانية بفعل النضج الفكري و التقدم الحضاري قد طورت أساليب عديدة و متنوعة لمقاومة هذه النظم، تقلم من أظفارها، و تحد من تأثيرها، فالنظم الجبرية القائمة ، لم يعد بوسعها أن تقتل من شاءت و متى شاءت، و لا أن تُغيِّب في السجون من شاءت و متى شاءت، لأن تطور وسائل الاتصال و تقدم وسائل الإعلام أصبح يفضح ممارساتها، و يضيق عليها الخناق و يحول بينها و بين أن تعيث في الأرض فسادا، و لأن الإنسان اليوم شرع من القوانين و أقام من المؤسسات القانونية التي تمنع الاستبداد و تعسف الدول، بما يتيح للأفراد والشعوب المتضررة من ممارسات الحكم الاستبدادي ملاحقة الحكام الطغاة المستبدين و مقاضاتهم، فإذا استعرضنا القوانين الدستورية لمختلف الدول نجد من بينها كما قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه: " مائة سؤال عن الإسلام " (( دساتير حسنة ترد المظالم و تحمي الضعاف، و تصون الحقوق في أسلوب مفصل أوحت به سلسلة التجارب الطويلة في محاربة الاستبداد السياسي و الظلم الاجتماعي و الانحراف الأخلاقي)).
كما أن الانتشار الثقافي ساهم إلى حد كبير في إنضاج الوعي السياسي الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في مساعدة الفرد و المجتمع على تأسيس تنظيمات مدنية تأخذ على عاتقها التصدي للنظم التي تعصف بحقوق الفرد أو المجتمع، مثل منظمات حقوق الإنسان في العالم التي تقوم بجهد مشكور في مقاومة الاضطهاد و التصدي للظلم الذي يطال الأفراد و الأقليات بسبب انتماءاتهم الدينية، أو العرقية، أو السياسية، نعم أنا لا أنكر أن هناك نظما جبرية لا زالت قائمة إلى اليوم هنا و هناك، و لكنها حتما إلى زوال بفعل التقدم الحضاري و النضج الفكري و اضطراد الوعي السياسي فذلك ما يقضي به العقل و يشهد له الواقع و إذن علينا أن نتفاءل و أن لا نتقاعس عن مواصلة النضال بكل قوة حتى نزيل هذه النظم الجبرية و نزيحها من واقعنا السياسي إلى الأبد...