قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

Thursday, 20 February 2014 17:12

فلنفاوض فلنقاوم

Written by  الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله
Rate this item
(0 votes)

لا يزال البعض يعتقد أنه يمكن القيام بحملة إعلامية بحيث يمكن إيجاد أصدقاء في الغرب، و في أمريكا بشكل خاص، من أجل الوقوف إلى جانب قضايانا العربية و الإسلامية و الإنسانية العادلة. و أعتقد أن هذا رهان صعب. و ابتداءً يجب أن نشير إلى أن إيجاد تفاعل و تعاطف في أوروبا أسهل منه في الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الإنسان الأوروبي يتميز بقدر كبير من الثقافة و الوعي. و الصحف الأوروبية تنشر أخبارا عن العالم و تطوراته بشكل أكبر مما تنشره نظيراتها في الولايات المتحدة إلى حد ما، إلى جانب وجود اختلافات سياسية حقيقية بين الأحزاب التي تقوم بتوعية المواطنين. لكن مهمة خلق التفاعل و التعاطف، حتى داخل الولايات المتحدة، ليست مستحيلة. خذ على سبيل المثال ما حدث في الحرب الأمريكية على فيتنام، حيث كانت الأغلبية الساحقة من الشعب الأمريكي تؤيد في البداية التدخل الأمريكي في فيتنام، تحت ذريعة وقف ما سموه آنذاك بـ "الخطر الشيوعي"! و بالتدريج، و مع وصول جثامين من الجنود الأمريكيين إلى التراب الأمريكي، و مع تزايد الخسائر الأمريكية المادية، بدأت الجماهير الأمريكية تتراجع عن موقفها السابق و تخرج إلى الشوارع مطالبة الإدارة الأمريكية بسحب قواتها من فيتنام، إلى أن اضطرت الولايات المتحدة لسحب جيوشها و قوتها العسكرية من فيتنام و أن تنسحب صاغرة! 

و لنلاحظ أن الفيتناميين كانوا يقاتلون و يتفاوضون في ذات الوقت، و كانت الحركات المعادية للحرب في الولايات المتحدة تقوم بعملية توعية بما يحدث من خلال الإعلام. و قد طورت مصطلح "الحوار المسلح" الذي ينطلق من تصور أن الشعوب التي تدور في إطار علماني مادي استهلاكي لا تدرك العالم إلا بحواسها الخمس، و لذا فهي شعوب وثنية لا عقلانية لا يمكن إيقاظها من خلال الإعلام وحده، كما يتصور البعض، و إنما من خلال سياسة متكاملة فنبعث لهم رسائل مسلحة عن طريق المقاومة المسلحة المستمرة، و رسائل شبه مسلحة مثل التلويح بقطع البترول و نقل رؤس الأموال العربية. و تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، و منع مرور السفن الحربية من قناة السويس. لكن لابد و أن يواكب هذا رسائل توضح وجهة نظرنا، مضمونها أنه يمكن للشعب الأمريكي التعايش معنا إذ لا يوجد مبرر للصراع أو للمواجهة المسلحة، إذ يمكن توظيف رؤوس الأموال الأمريكية في العالم العربي و استيراد السلع من الولايات المتحدة على أن يتم ذلك في إطار من التبادل العادل، كما يجب أن نؤكد أن المواجهة المسلحة لن تفيد إلا الاحتكارات و الشركات الكبرى و مصانع السلاح و الدولة الصهيونية.

و كما أسلفت المواجهة مع الولايات المتحدة أصبحت صعبة، و لكنها ليست مستحيلة، بمعنى أن العرب لو قرروا ضرب مجموعة من السلع الأمريكية بعدم شرائها فإن أصحاب المصانع المنتجة لهذه السلع سيتحولون إلى "لوبي" يعمل لصالحنا. و يمكن استبدال هذه السلع بسلع يتم استيرادها من فرنسا أو ألمانيا أو اليابان أو الصين أو الهند، أو ربما تشجيع بعض رؤوس الأموال العربية على تصنيعها محليا. أما الثروات العربية في المصارف الأمريكية و التي تقدر حسب ما سمعت بـ 700 بليون دولار، مما يمثل دعما قويا للدولار الأمريكي، فيمكن سحب 10% من هذه الأموال في إشارة واضحة للغضب العربي و الإسلامي، كما يمكن الاكتفاء بالتلويح بذلك، هذه كلها رسائل للشعب الأمريكي أن يعيد النظر في مواقف حكومته المتحيزة ضد العرب.

و المواجهة لابد أن تتم على مستوى شعبي أو حكومي، فإذا كانت الحكومات غير قادرة على المواجهة، فيمكن أن تقوم بها الجمعيات المدنية. و لكن يجب أن نتذكر و أن نذكِّر أنفسنا أن انسحاب أمريكا من العراق سيكون له أعمق الأثر عليها، فالحلم الإمبراطوري سوف ينتهي و سيؤثر هذا على إسرائيل التي عاشت دوما في داخل إطار الحرب: الحرب الباردة، ثم الحرب ضد الشيوعية، ثم الحرب ضد القومية العربية، ثم الحرب على الإرهاب، فإذا انكمشت الولايات المتحدة الأمريكية و طورت سياسة خارجية جديدة غير مبنية على التدخل في شئون الآخرين و لا تحاول الهيمنة على العالم، فإن إسرائيل سوف تجد نفسها في أزمة حقيقية، فمقومات وجودها ستتلاشى. أقول إنها مسألة صعبة للغاية و لكنها مع هذا ليست مستحيلة. و يجب أن نتذكر أنه بوسع الولايات المتحدة أن تحاول الهيمنة عن طريق توقيع اتفاقيات مع بعض الحكومات "الصديقة" و إنشاء قواعد عسكرية فيها، أي أن التغيير لن يكون حقيقياً، فهو تغيير في الآلية و ليس في الهدف النهائي.

و عادة ما يميز الخطاب العربي ( و حتى الإسلامي) بين الشعب الأمريكي و الإدارة الأمريكية، بل و يقال بأننا مع الشعب الأمريكي و ضد حكومته و آلته العسكرية. لكن هذا الشعب" الطيب" و"الفطري"، لا تستفزه ما تقترفه حكومته من جرائم في حق شعوب العالم، و لا يثور عليها، و لا يستعمل الآليات الديمقراطية كوسيلة لتنحية هذه الإدارة المعادية للإنسان، و هذا وضع غريب يحتاج للتفسير.

و أذهب إلى أنه قد حدث تقسيم للعمل في الولايات المتحدة بحيث تخصصت النخبة الحاكمة و الحكومة الفيدرالية في مسائل الدفاع و مسائل الأمن و السياسة الخارجية، و تركت للجماهير كل الأمور الأخرى مثل المطافي و البريد و التعليم و الرعاية الصحية و مدى نقاء مياه الشرب و بعض قضايا الأمن الداخلي مثل المرور و تزايد معدلات الحرارة، و كل ما يتخذ في هذا المجال يتم من خلال إجراءات ديموقراطية صارمة. أما القرارات السياسية الكبرى (السياسة الخارجية- ميزانية الدفاع- ميزانية المخابرات) التي تحدد مصير الأمة، فقد تُركت للنخبة الحاكمة (التي تسيطر عليها المصالح الصناعية و العسكرية) تفعل فيها ما تشاء حسب أولوياتها و حسب ما تمليه مصالحها و ليس مصالح الشعب الأمريكي.

و تعكس الصحافة الأمريكية هذا التقسيم للعمل، فالأخبار العالمية و التحليلات السياسية تنشر أساسا في جرائد و مجلات النخبة مثل النيويورك تايمز و الواشنطن بوست. أما الجرائد الشعبية و المحلية و الـ tabloids التي تقرأها الجماهير، فهي تشير إلى "العالم" في نصف عمود، أما بقية الجرائد فهي تنشر الفضائح و الأخبار الخاصة بالجماعة المحلية، و الجزء الأكبر مخصص لأخبار النجوم و فضائحهم و للإعلانات و الأوكازيونات و كوبونات الخصم و هكذا. (لا أنسى يوم 6 يونيه سنة 1967 حين نشرت الصحيفة المحلية في المدينة التي كنت أقطن فيها في الولايات المتحدة خبر اندلاع الحرب في بضعة سطور، أما الصفحة الأولى فكانت تحمل أخبارا عن افتتاح طريق جديد!). و جاء في إحصائية طريفة أن 24% فقط من الأمريكيين نجحوا في أن يذكروا اسم رئيسي جمهورية سابقين، بينما بلغ عدد الذين يعرفون أسماء الأقزام السبعة في قصة سنووايت 77%. و لذا من النادر أن تقابل أمريكياً يعرف آليات صنع القرار السياسي في بلاده، أو الهدف من القرارات التي اتخذت في مجال السياسة الخارجية. و في غياب أحزاب سياسية لها برامج مختلفة توعي المواطن و تثقفه سياسيا، يقع هذا المواطن الأمريكي العادي فريسة سهلة للإعلام و لتقسيم العمل الذي فُرض عليه و جعله غير قادر على فهم سياسة بلده الخارجية و تدخلها العسكري في كل أرجاء المعمورة، خاصة و أنه يتم تبرير عمليات الغزو العسكري و التدخل السياسي في شئون الدول الأخرى من خلال خطاب عالي النبرة ممتزج بلون قومي أمريكي فاقع له أبعاد أخلاقية، فيتحدثون عن "القيم الأمريكية" مثل الديموقراطية و حقوق الإنسان و حماية الأمن القومي الأمريكي. كما أنهم يلجأون لتخويف المواطن الأمريكي، من عدو  ما، كان في مرحلة من المراحل هو الشيوعية و أصبح الآن الإرهاب الإسلامي! و رسّخوا في وجدانه أن هذا العدو يكره الديموقراطية و يحقد على الأمريكيين بسبب أسلوب حياتهم و معدلات الاستهلاك العالية التي يتمتعون بها، و لذلك عادة ما تبدأ الاحتجاجات على سياسة أمريكا الخارجية في الجامعات بين المثقفين الذين يدركون طبيعة الأكاذيب التي تطلقها النخبة الحاكمة. و تنتقل بعد فترة ليست بالقصيرة إلي الشوارع بين الجماهير العادية.

و الله أعلم.

المصدر:

http://www.elmessiri.com/articles_view.php?id=7

Read 1588 times Last modified on Monday, 06 July 2015 09:23

Add comment


Security code
Refresh

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab