(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
طباعة
الثلاثاء, 22 أيار 2018 18:44

أسلوب القرآن في التربية

كتبه  الأستاذ محمد سبرطعي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

" أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه و تعالى عما يشركون "

آية كريمة من آيات القرآن المكي تعبِّر عن كنز عظيم من كنوز العقيدة الحقيقية التي تستقر في القلوب إيمانا و رسوخا لتخرج إلى الواقع تطبيقا و إنارة، لترسم على لوحة الوجود أسمى معاني ارتباط عقيدة القلب بنقاء الفكر و استقامة السلوك.

أتت هذه الآية لترسم للإنسان منهج تعامله مع قضاء الله و قدره، بناءً على بنية الإنسان الأولى التي حدّدها الرب تبارك و تعالى " خلق الإنسان من عجل " و يمكننا أن نستخلص من هذه الآية أمورا:

1) أتى لفظ " أتى أمر الله " بصيغة الماضي و هذا دلالة على أن أمر الله سيأتي لا محالة فهو بهذا الوصف و كأنما يشعرك أن أمر الله قد حصل فعلا ، فهو ينقلك في ضوء قدر الله تعالى من عالم المستقبل إلى عالم الحاضر المعاش على واقع الحياة .

2) الفائدة من إقناع الإنسان عقلا و واقعا بأن أمر الله آت بلا جدال هو أن يهتم الإنسان بما يعدّه و يتقدم به لتلقي أمر الله تعالى في واقعه و كأن الآية تخبرنا: قد أتى أمر الله فما أعددت له؟؟.

حضر الحسن البصري جنازة زوجة الفرزدق الشاعر المشهور فرأى الإمام الشاعر يُلحدها فقال له: ماذا أعددت لهذا اليوم؟ قال: أعددت لا إله إلا الله من سبعين سنة.

فالأصل في الإنسان أن يعدّ العدّة لتلقي أمر الله تبارك و تعالى حتى إذا أتى لا يجده تائها بل يجده على أهبة الاستعداد في التعامل مع أمر الله و الواقع الجديد.

لذا كان دورك أيها الإنسان أن لا تستعجل أمر الله بل أن تهتم بنفسك و تعدّ عزيمة أمرك لتلقي قضاء ربك لذا قال الله " فلا تستعجلوه ".

و هذا من صميم توجيه عناية القرآن للإنسان أن يحدد أولويات حياته و يقدم الفاضل على المفضول و ذلك من كمال عقل الإنسان و سعة مداركه و فهمه لفلسفة حياته.

3) إن الله أغنى الشركاء عن الشرك كما أخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم، و الإنسان من فرط عجلته و جهله و ظلمه لنفسه في عدم معرفة قدر ربه، فإنه يبغي لاستعجال أمر الله الاستعانة بأي شريك آخر علّه يأتيه بجديد، و لكن هيهات، رُفِعت الأقلام و جفّت الصحف، و لا يطلب ما عند الله إلا بما يرضيه.

و هذا من كمال التحدي في الحديث عن خبايا النفس البشرية التي تبغي استعجال أمورها و لو باتخاذ شركاء لله تبارك و تعالى، لذا أوصانا الحق جل قدره أنه " سبحانه و تعالى عمّا يشركون " فلا تطلب شيئا إلا من موجده الأوحد، و لا تتضرع إلا لخالقك الأكبر، و لا تلجأ إلا لأسخى الكرماء سبحانه و تعالى.

من هنا كان مفهوم الآية عموما:

أمر الله آت لا شك في ذلك و هو في غيب الله كأنه حاضر، فلا تستعجله أيها الإنسان و لا تحاول تسريع إتيانه باتخاذ شركاء لك من دون الله ، و لكن أعدّ العدّة ليوم مجيء الأمر الإلهي بيقين لا يساوره ريب أبدا، و إن لكل يوم غداً، و إن غدا لناظره قريب.    

قراءة 2652 مرات آخر تعديل على الخميس, 15 تشرين2/نوفمبر 2018 15:13