(function(i,s,o,g,r,a,m){i['GoogleAnalyticsObject']=r;i[r]=i[r]||function(){ (i[r].q=i[r].q||[]).push(arguments)},i[r].l=1*new Date();a=s.createElement(o), m=s.getElementsByTagName(o)[0];a.async=1;a.src=g;m.parentNode.insertBefore(a,m) })(window,document,'script','//www.google-analytics.com/analytics.js','ga'); ga('create', 'UA-60345151-1', 'auto'); ga('send', 'pageview');
Print this page
Wednesday, 17 December 2014 08:42

الفقهُ الواقِع

Written by  الأستاذ جمال الباشا
Rate this item
(0 votes)

عندما اقتربَ جيشُ التتار من أسوار بغدادَ، تذكرُ الرواياتُ أنَّ من الفقهاء في عاصمة الخلافة المُحاصَرة بالأعداء و المهدَّدة بالسقوط و الدمار كان قد طرَحَ في مجلسه العلميّ مسألةً فقهيةً للنقاش، هي ليست من الفقه الافتراضيّ فحسب بل هي من الفقه الخياليّ المُحلّق في فضاء الغفلةِ و عدم الشعور بمسؤلية العالم و أمانة الكلمة و واجبالوقت. إنَّ الحياء ليمنعُني من مجرَّد ذكر تلك المسألة وهي تتعلَّقُ بحالةٍ غير محتَملةِ الوقوع و لا في الذهن لصورةٍ في المعاشَرة الزوجية، هل يجبُ معها الغسلُ أم لا؟! 

أُحَدّثُ نفسي كلَّما تذكَّرتُ ذلك الفقيهَ و تلك المسألة، و أتساءلُ: ربَّما كان الرجُلُ ملتزمًا بتوجيهات وزارةِ الأوقاف في دولةِ المُستعصم للخطباء بأن لا يتكلَّموا إلا في الفقهِ الواقِع لغرض تغييب وعي الناس عن فقه الواقِع؟! ثمَّ أتساءلُ عن دَور باقي العلماء الصادقين في توعية الناس و تعبئتهم للتصدّي لهذا العدوان على البلاد و وجوب الإعداد للدفاع عنها؟!

و سُرعان ما ألتَمِسُ لهم الأعذارَ فأقولُ: لعلَّهم زُجَّ بهم في السجون لأنَّهم يتكلمون في السياسة و يتدخلون فيما لا يعنيهم!

أو لعلهم مُنعوا من الخطابة و نُحُّوا عن المنابر لأنَّهُم لم يتقيدوا بتعليمات وزارة الأوقاف في حدود المواضيع "المقترحة"!

الخليفةُ كان منشَغِلًا بالترَف و اللهو و جمع نفائس الكنوز، و سلَّم قيادةَ البلاد لوزيره الرافضيّ الخبيثِ ابن العلقميّ الذي كان يكاتب التتار سرًا و يشجّعُهم على اقتحام البلاد، و قد مهَّد لهم الطريقَ بتسريح عددٍ كبيرٍ من الجيش، و أذاقَ الناسَ العلقَم.

دخل التتارُ بغدادَ و قتلوا الخليفةَ ركلًا بالأقدامِ بعدما قادَهم إلى كنوزه بنفسه، و سُبيَ أهلُ بيته، و قُتِلَ ألفا ألفٍ من المسلمين، و ذُبحَ العلماءُ و الفقهاءُ أصحابُ الفقه الخيالي، و حُرّقَت كتبُ العلم، و احترقَ كثيرٌ من تراث الأمة الفقهي.

العجيبُ أنَّ مما لم يندَثر و شاء اللهُ أن يُخلّدَه في ذاكرةِ الأمة تلك المسألةُ الغريبةُ التي لم تقع لليوم و لن تقع، لتبقى شاهدًا تاريخيًا على فسادِ رؤوس الدين و أثرِهم في نكَباتِ الأمَّةِ و ضياع مقدَّساتها.

المصدر:

http://ar.islamway.net/article/39635/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9

Read 1720 times Last modified on Thursday, 09 July 2015 09:22