" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
- المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله -
لنكتب أحرفا من النور، لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار
بعد العيد الفطر المبارك السعيد، فرحت بإستقبال أخت لي في الروح و في الله عادت من بقاع المقدسة معتمرة، ندعو لها الله أن يتقبل منها أداءها لشعائر العمرة المباركة.
جلست إلي و هي كلها شوق و سعادة ربانية بحظوتها في أداء عمرة يتمناها كل إنسان مسلم صاحب قلب و فطرة سليمة.
أما أنا إستمعت إليها و شغوفة بالتعلم منها و في معرفة إنطباعاتها عن أطهر و أقدس مكان في الكون كله و ليس فقط في كوكب الأرض. و ها هي إنطباعاتها علي التوالي و قد حاولت أن أختصرها و أن أدلي برأي و رأيها في المشاهد التي عاشتها هناك في البقاع المقدسة :
" يعطي الجزائري و هو معتمر، خارج بلده أنه سليل شعب فوضوي غير متحضر، فلم تهذب طباعه الخشنة و العصبية أخلاق الإسلام و لم يبلغ الإيمان عنده مرتبة الصبر و الحلم. و المعتمرين الجزائرييين بشكل عام لا يستغلون فرصة العمرة للتواصل مع الشعوب العربية الأخري التي يلتقونها في مواسم الحج و العمرة أو يتدبرون أحوال الشعوب المسلمة الأعجمية التي يجتمعون بها و هم يؤدون مناسك الحج و العمرة، فالتواصل الحضاري الراق يجهله الجزائري.
لاحظت للأخت :
-ربما يعود الأمر لعامل مهم جدا و هو اللغة، فالجزائري لا يحسن الحديث بلغة عربية ناصعة و أما عاميته فهي هجين من الكلمات السوقية و الغير المفهومة و العامل الثاني سببه الشخصية الجزائرية المنغلقة علي نفسها و الإنطوائية، فالجزائريين شعب بعيد عن الإنفتاح عن إخوانه في العقيدة و العروبة.
-صحيح، الملاحظة الأخري أننا كجزائريين لا نستغل فرصة وجودنا في البقاع المقدسة لنتعرف علي ديننا بشكل أعمق و أصح. فمعرفة الجزائري بدينه تتخللها الكثير من الأخطاء و قدر كبير من الجهل و الأمر ظاهر علي الجزائري من سلوكه فقط، فلنقارن فقط بين سلوك المعتمر المصري و سلوك المعتمر الجزائري ندرك فورا البون الشاسع بين الإثنين. الأول يعرف أن الدين معاملة و الثاني فتصرفاته بعيدة كل البعد عن الروح الجميلة و اللطيفة لعقيدة التوحيد، عصبي، غير صبور، ملهوف، غير متسامح، حقود، غضوب ثم نراه يعود إلي الجزائر بدون توبة نصوح عما بدر منه من معاصي و ذنوب و كبائر قبل أداءه للعمرة و الحج. فالذاهب إلي بيت الله، من الطبيعي و من المفروض عليه أن يبدأ صفحة جديدة في حياته بعد عودته إلي أرض الوطن، يحافظ علي بعض الخصال الحميدة التي يتمتع بها و يسعي إلي التخلص من السيئات الأخري التي تطبع شخصيته و هذا طمعا في مرضاة الله و تحسين مستوي عبادته.
أما إنطباعاتي عن نظام الحياة في شبه الجزيرة العربية و علي الخصوص في المدينة المنورة و مكة، فأكثر ما لفت إنتباهي ظاهرة عدم الإختلاط في بعض مرافق الدولة كالمستشفيات، فالمرأة المسلمة ترتاح نفسيا حينما تذهب إلي المستشفي، فكل طاقم الطبي من شبه طبي إلي أخصائيين جراحيين و موظفين إداريين في قاعات الفحص و التشخيص نساء، و جميل جدا أن تري هؤلاء النسوة في ساعة الآذان تتوجهن إلي الصلاة تلقائيا. نعم فارق كبير و كبير جدا بين الجزائر و بين البقاع المقدسة في هذا الميدان بالذات، في بلدنا الإختلاط صار آفة مسيطرة علي كل مظاهر الحياة و المصيبة أن نساءنا و رجالنا إلا من رحم ربك منهم لا يمتلكون حد أدني من الخلق الإسلامي.
كنت أستمع إلي محدثتي و أنا أعتصر ألما علي بلدنا الذي سيطرت عليه مظاهر العلمانية الصارخة، فالغربة التي تعيشها القلة المؤمنة في الجزائر صارت لا تطاق و يا للأسف !ّ