حدود التدخل في حياة الأبناء
و يري الدكتور محمد الناصر صاحب كتاب "تربية المراهق في رحاب الإسلام" ان التدخل من الأبوين ينبغي أن يكون في الأمور التي تستحق التدخل، و في الأمور التي تكون فيها معرفة المراهق محدودة أو عندما تعرضه قراراته لخطورة ما، مع إهمال الأمور الهامشية الصغيرة التي لا تضر، و الأمور التي يستطيع المراهق اتخاذ قرارات ناضجة فيها.
و يضيف أن التوسط مطلوب في هذه الأحوال، و نساعد بذلك المراهق في الاعتماد على نفسه و في أخذ القرارات و نتعامل معه بمرونة في حدود الأطر الدينية و القيم السليمة، و بذلك يعد المراهق ليكون شابًا له دوره في المجتمع و تعد المراهقة لتكون شابة لها دورها كذلك..".
فالأم مثلاً تتيح لابنتها فرصة دخول المطبخ و العمل فيه، و على الأم أن تثني عليها، و تتقبل خطأها بنفس راضية، إذ تعد الفتاة لمرحلة الرشد و القيام بمهام جديدة و الأب ينبغي أن يُسر بعمل ابنته، و لا يعتب على زوجته عند تكليفها بأي عمل.
و يشير إلي أن هناك قاعدتان لتدخل الأهل في حياة الأبناء: الأولى: مبدأ {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ} ، الثانية: مبدأ "لاعبه لسبع و أدبه لسبع و صاحبه لسبع ثم اترك حبله على الغارب" ، مشيرا الي ان المراهقة هي مرحلة المصاحبة و الأبناء في أشد الاحتياج إلى الصديق الوفي و الناصح المخلص، و الصاحب المتفاهم، و ليس هناك أحد في الوجود كله أوفى و أخلص من الوالد لابنه و لا أوفى و أخلص من الأم لابنتها.
و يقول ان السبب في حدوث هذه المشكلة يكمن في اختلاف مفاهيم الآباء عن مفاهيم الأبناء، و اختلاف البيئة التي نشأ فيها الأهل و تكونت شخصيتهم خلالها و بيئة الأبناء، و هذا طبيعي لاختلاف الأجيال و الأزمان، فالوالدان يحاولان تسيير أبنائهم بموجب آرائهم و عاداتهم و تقاليد مجتمعاتهم، و بالتالي يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم أن يعرفوا مشكلاتهم، أو أنهم لا يستطيعون فهمها، أو أنهم - حتى إن فهموها - ليسوا على استعداد لتعديل مواقفهم.
معادلة صعبة
من جانبه تري الدكتورة علوية السيد أستاذ التربية بجامعة الزقازيق ان الحرية داخل الأسرة معادلة صعبة فهي تتطلب أبا مثقفا و متحضرا يناقش قبل أن يعطي خلاصة تجاربه في الحياة، و يعلم أولاده عدم الخوف، و يعطيهم الفرصة للتجربة و لممارسة حقوقهم، و أن يتعلموا عواقبها، سواء مع الفشل أو النجاح ، و لا يجب أن يعتبر الوالد حق الحرية منحة منحها للابن لأنه يمن عليه بأبوته، و لا يصح أن يلجأ الأب الكبير و قائد الأسرة إلى منطق المساومة مع الأبناء، و يجب أن يتوافر عند الأب منطق السماح و المغفرة، و أن يكون حكيما و ليس ممسكا بالعصا التي تهدد الأبناء، و يستوعب حكمة سيدنا عمر بن الخطاب عندما قال : " لا تعلموا أولادكم عاداتكم، فقد خلقوا لزمن غير زمانكم" فكأنه كان يقرأ المستقبل، و هو المنهج العلمي الحديث الذي توصل إليه العلماء و الباحثون و هو منهج الدراسات المستقبلية.
و عن قضية الحرية و الحوار بين الآباء و الأبناء، فتري أن الأب لا بد أن يتنازل إلى حد عن سلطته و قهره لأبنائه، و في الوقت نفسه على الابن أن يثق بمشاعر والديه، و أن يكون هناك دائما حسن نية في العلاقة، لكن المشكلة تظهر أكثر لو كانت سلطة الأب و الأم قاسية، و يشعر الأبناء بالقيود و الاختناق من والديهما، و هو ما نسميه بالحب الخانق في علم النفس، و الذي ينتج عن كثرة القلق و الهيمنة الزائدة و المتابعة المستمرة و شدة الخوف كل هذا يقتل الأبناء نفسيا و يسبب لهم مشاكل مؤلمة.
و تشير إلي أن الحرية بين الجيلين قضية مستمرة ، فكل جيل يتصور أن الجيل السابق له متخلف عنه، و لا يعرف شيئا، بينما ينظر القديم إلى الجديد بحذر و يعتبره مفرطاً في القيم و مستهترا ، و الجديد في هذا الوضع أن صراع الأجيال أصبح قويًا و عنيفًا نظرا للقفزات الكبيرة التي تمت في القرن العشرين، سواء ماديا أم معنويا أو تكنولوجيا و ما يشاهده الأبناء في الأفلام الأمريكية مما أثر على العلاقات، و جعل هناك فجوة أكبر بين الآباء و الأبناء، خاصة في مجتمعنا الشرقي المسلم، فعندما ننظر إلى أبنائنا نجد اللغة التي يتحدثون بها مختلفة و كذلك القيم و المفاهيم.
و تختتم إذا كان العالم يشهد طفرة هائلة من التقدم العلمي ، و لا شك في أن هذا الكم الهائل من العلم و المعرفة لم يصنعه جيل واحد بعينه ، و إنما هو خلاصة فكر الأجيال إذ يضيف كل جيل إلى جهد سابقيه ، و هكذا تبدو أهمية احترام ما لدى جيل الكبار من خبرات يستفيد منها من بعدهم ، يعدلون فيها و يضيفون إليها ، و لكن الخطر كل الخطر أن يعزفوا عنها و يقللوا من أهميتها .. قد يحدث اختلاف لكن هذا الاختلاف لا ينبغي أن يكون سبباً في الصراع و التنافر ، و قد كان الخلفاء المسلمون يحترمون علماءهم ممن هم أكثر منهم خبرةً ، فهذا الرشيد يلاطف الأصمعي و يقول : هكذا وقرنا في الملأ ، و علمنا في الخلاء ، و هذه الحالة من الحوار لابد أن تبدأ أولا داخل الأسرة الصغيرة ثم تنعكس علي الأسرة الكبيرة و هي المجتمع .