في زيارة قمنا بها مؤخرا مشاركين في ملتقى القدس الشبابي التاسع في الأردن الحبيب، بدعوة كريمة من نقابة المهندسين الأردنيين و رابطة شباب لأجل القدس العالمية واجهتنا محطات كبيرة سريعة خاطفة رسمت على وجوهنا و غرست في قلوبنا عددا من المشاعر غير المتناسقة إن لم أقل متناقضة، و من بين هذه المحطات أذكر منها ما يلي:
قمنا بزيارة إلى نهر الأردن، نهر الابتلاء و الاختبار و الاصطفاء " إن الله مبتليكم بنهر "، النهر الذي امتحن الله فيه أصحاب طالوت ليقيم الحجة عليهم بأن طريق تحرير بيت المقدس محاط بالمشاق العظيمة و الاختبارات الواسعة.
زرنا نهر الأردن و هو الذي يعتقد النصارى أنه النهر الذي تعمّد أي تطهر فيه السيّد المسيح عليه السلام على يد يوحنّا المعمدان ( زكريا عليه السلام) فيأتيه مسيحيو الدنيا – و هو نهر لا يبعث مظهره على النظافة و النقاوة - فيغطسون فيه بكل جرأة و جسارة و راحة ليبعثوا لنا لسان حالهم مؤكدا أن الدين هو الباعث المريح لتصرفات العباد، و أن الفعل المستند على الدين فإن المرء يقدم عليه بكل أريحية و نشاط و إن لم يتوافق مع طبائع المخالفين و أعرافهم.
و هذه رسالة مبعوثة لكل أصحاب الإستراتيجية و اتخاذ القرار و صناعة الآراء في هذا اللانظام العالمي مفادها: أن الله وضع فينا فطرا تتماشى مع الدين و توجيهاته، و هذا الأخير مسيّرنا في هذه الحياة، و كل نظام يتعارض مع هذه البديهية فإنه يعارض الفطرة الصحيحة، و آثار هذا الفعل بالغة الخطورة على واقع الناس و مستقبلهم.
زرنا نهر الأردن لنرى أمامنا كائنات غاصبة و أجزاء من أعز أراضينا مغصوبة، رأيت جنديين من الكيان الصهيوني مدججين بالسلاح الشخصي الثقيل تعلوهما ابتسامة استفزازية يدور حولهما عدد من المسحيين و كل الفخر يعلو وجوههم جميعا.
أشعرني هذا المنظر بالحزن و الاستفزاز أن أرضي المقدسة يحبس جمالها المشعّ من طرف هذه الكائنات المقززة.
أشعرني هذا المنظر بالتحفيز و الأمل و أني قريب – ولو جسمانيا على الأقل – من أرضنا المقدسة، و أن تحريرها – لا محالة – قريب.
أشعرني هذا المنظر بالتبعة الكبيرة التي وضعت على عاتقنا و كأن الله قد أراد زيارتنا لهذه المنطقة الحدودية لنشمّر السواعد و نتحمل المسؤولية، و أن الوقت ليس وقت الكلام الأجوف و ترديد الشعارات الخرساء و إنما الوقت وقت الميدان و المشاريع التعريفية التثقيفية الفكرية الجهادية الخادمة للقضية الناشرة لإشعاعها العاملة على غرس مبادئ التحرير في قلوب الكبار و الصغار و أن الأمل واسع و التغيير قريب.
ما عاد يجدينا البكاء على الطلول أو النواح
لغة الكلام تعطـــلت إلا التكــــلم بالـــرماح
إنا نتـــوق لألســـن بكم على أيــــد فصاح
و مما يلاحظ في هذه الزيارة أن الجنديين الإسرائيليين وُضعا و يدفع لهما راتب من أجل حماية السياح الإسرائيليين من اعتداء العرب و المسلمين، و أن الجنود العرب في الضفة الأخرى وضعوا كذلك من أجل حماية السياح الإسرائيليين من تهور العرب و المسلمين الزائرين، فكلا النوع من الجنود لهم نفس المهمة مع اختلاف في مواقع التنفيذ و جهات الحماية و الدفاع.
هذه بعض الخواطر الخاطفة التي أمكنني تسجيلها حول زيارة أرض الخير و القداسة و البركة لنبعث رسالة إلى إخواننا القراء مفادها:
هو الحق يحشــــد أجنـــــاده و يعتدّ للموقف الفاصــــل
فرصوا الكتــــائب آســـــاده و دكوا به دولـة البــــاطل
نبيّ الهدى قد جفونا الكـرى و عفنا الشهي من المطعم
نهضنا إلى الله نجلي السرى بروعة قرآنــــه المحـــكم
و نشهد من دبّ فوق الـثرى و تحت السما عزة المسلم
دعاة إلى الحق لسنا نــــرى له فديـــة دون بــــذل الدم