مررت اليوم بالجامعة بمشاهد لشباب و شابات أخجل من وصفها، و العجب أن الفتيات محجّبات ! و أنا أعلم أنّ ما خفي أعظم، و لوهلة خلتني في دولة أوربية ...و راحت تعصف في ذهني دوامة من الأسئلة :هل هؤلاء مسلمين؟ هل نزلنا إلى هذا الدرك من ذهاب الأخلاق؟ هل هؤلاء هم أباء و أمهات المستقبل ؟ هل ما أرى هم كوادر المجتمع ؟ هل بإسم الحب صاروا عبيد الهوى و النزوات ؟ منذ متى كان الحب يعني التخلي عن الشرف ؟ أليس لهؤلاء أهل ؟ هل هؤلاء فخر لآبائهم و أمهاتهم؟ أيكون هذا و في "حرم" جامعي؟ لماذا صارت الجامعة مرتعا لكل شيء إلا العلم!.... و هل ...و هل ......طبعا لن أتحدث عن استشعار مراقبة الله و الخوف منه و الإيمان بالحساب... لأنه آخر ما يفكرون فيه .....و إن كنت أنحي باللائمة على الفتاة أكثر لأنها الخاسر الأكبر... أقلّها أنّ المجتمع الذكوري سيغفر له بينما سيلاحقها عار الأبد، و لأنها ستخسر أول ما تخسر احترامها لنفسها و احترام أقرب الناس إليها و احترام من شاركها الجرم، أي ستخسر الأب و الزوج و الولد،فيما أهلها ينتظرون أن تعود إبنتهم بالشهادة ليفخروا بها و ترفع رؤوسهم!.... ناهيك عن الإثم و ما قد يجرّه من جرائم الابتزاز بالصور أو الفيديو أو الحمل أو الإجهاض أو الانتحار....
و إذا كانت هي ستحرص جدا على كتم الأمر و إخفائه؛ فبنفس القدر يحرص هو على إظهاره و التباهي به ...و إذا كانت تعتقد أنها ستصيب الزوج بذلك فقد أخطأت مرتين ...لأن البيوت تؤتى من أبوابها، و لا يلجها من النوافذ إلا اللصوص، و إن أغبي النساء من تحاول إثبات حبها لرجل بالتخلي عن شرفها...لأنه ببساطة سيحتقرها، و إذا سقط الاحترام سقط الحب و الثقة و الزواج من بعد. و إلا كيف يفعل معها مال ا يرضاه لأخته هذا إذا كان رجلا، أما إذا كان يرضاه فإنه ديوث و لا خير فيه، كما أنها ستكون آخر من يفكر فيها للزواج... لأنه سيظن بها الظنون و يقول في نفسه " مادامت فعلت هذا معي، ما المانع أن تكون فعلته أو ستفعله مع غيري!! " و كما هو معروف إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ، و الأغرب أنه سيبحث عن فتاة عفيفة و محترمة لعش الزوجية!!.....و إذا كانت تفعله لهوا و لعبا و إزجاء للوقت فإن أحمق الناس من يلعب برأس ماله....فما قيمة الشهادات، إذا وضعت رأس من أنجبوها و من ستنجبهم في التراب ...و ستكون خريجة الابتدائية العفيفة أشرف منها مليون مرة ...طبعا لن أتحدث عن ضعف مستوى التعليم؛ لأن الجامعة لا تمنحه بدءا أو يمكن تداركه و قد لا تحتاجه أصلا، و الأخلاق إذا ذهبت تعرفون البقية....
أين هؤلاء من النساء العفيفات الحرائر ..اللواتي جلبن احترام الأعداء بطهرهن و عفّتهن...لا أقصد صحابيات بل جزائريات زمن الاستدمار.... كتب أحد الجنود الفرنسيين أثناء الثورة الجزائرية في مذكراته قائلا:"... لما كنا نقوم بعمليات التمشيط و مداهمة القرى و الجبال للبحث عن المجاهدين كان كل مرة يحزّ في قلبي و يشعرني بالخجل من نفسي ردة فعل النساء، حيث كن يهرولن و يهربن بسرعة البرق نحو إسطبلات الحيوانات عند رؤيتنا، و يقمن فورا بتلطيخ أجسادهن بالروث و فضلات الحيوانات لكي نشمئز منهن عند محاولة اغتصابهن و لا نقربهن بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث منهن بفعل الروث ..حقا صورة لن تغادر ذهني ما حييت و تجعلني أكن احتراما لهؤلاء اللاتي قمن بالسباحة في الروث لأجل شرفهن"اهـ....
هذا و هنّ أميات مكرهات! و تأمّل كيف اهتدين لتلويث أجسادهن بالفضلات ليحفظن طهرهن، بينما في هذا الزمن تزين الفتيات أجسادهن ليضيعن شرفهن و ينجسن طهرهن ... فما بال متعلمات هذه الأيام قلوب أكثرهن كالدُّور الخرِبة كُتب عليها للبيع أو للإيجار- إلا من رحم الله-!....و لعمري " إذا كانت أمهاتنا الجاهلات هنّ أمسنا الذاهب بلا فائدة، فإن أغلب فتياتنا المتعلمات هنّ يومنا الضائع بلا فائدة" كما قال الرافعي..و ما بال متعلمات اليوم و بإرادتهن يرمين أجسادهن بين أحضان الذئاب ثم يبكين انكسار القلب و خيانة الحبيب و ظلم المجتمع !...و ما بال متعلمات اليوم - و مع سبق الإصرار - يذهبن "لحرم "الجامعة بزينة صارخة كأنهن عرائس ليلة الدخلة، و يلبسن كل ما يشفّ و يصف، و أجسادهن تنادي " هيت لك "، ثم يتساءلن لماذا يتحرّش بهن الشباب أو لا يحترموهنّ ؟ و يشتكين العنوسة و تأخر الزواج! و إذا كان المجتمع - الذي اختلت قيمه - يرى المرأة مجرد جسد فلماذا يطاوعنه في ذلك و هن المتعلمات؟؟!! إن الاحتلال الثقافي أقوى من الاحتلال العسكري،ل أنه يتفشى بنعومة و يخاطب الغرائز المحبّبة ....
و الغريب هو السكوت المريب من الجميع، هل قدّم الجميع استقالته؟؟! أما إنها مسؤولية المجتمع كله، الوالدين في الأسرة بالمرافقة و القدوة الحسنة و مصاحبة أبنائهم في دروسهم و مع أصدقائهم و متابعة التلفاز و الانترنت معهم؛بدل انشغال الآباء بالعمل و الأمهات باللهث في الأسواق، فليست التربية توفير المأكل و الملبس....و في المدرسة بالتربية و التعليم و الأسوة الحسنة و تحبيب الآخلاق و الفضائل إليهم، و ليس تلقين المعارف و السكوت عن الأخلاق...و في المسجد بنصح الآباء بمتابعة أبنائهم و ربطهم بالدين و قيم الفضيلة، و في الإعلام بإيقاف بث برامج الخلاعة و العهر، و عدم نشر أخبار الفضائح و الإشادة بنماذج الانحلال من مطربين و ممثلين و شواذ، و السكوت عن الإصلاح و نماذجه، و بالكف عن تشويه الصالحين، و بالمقابل تقديم القدوات الحسنة للشباب، و الإشادة بمشاريع الخير ...و في المجتمع بإعادة قيم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بدل انكفاء كل واحد على نفسه و لسان حاله "نفسي نفسي" أو " لا يعنيني" أو " المهم تخطي راسي!"،و في الجامعة بربط برامجها و مقرراتها بالأخلاق و الدين، و منع مظاهر الخلاعة بوضع ميثاق أخلاقي يلتزمه الجميع.....و في النظام بالكف عن دعم الانحلال و وسائله و دعاته بالإعلام و الأموال....و إلا فإن مستقبل البلاد و العباد في خطر، و نحن نشهد أخلاق هذا الجيل في انحدار،كما قال شوقي:
و إذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما و عويلا
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت****فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
...و إلا كما قال الأول:
إن دام ذا و لم تحدث له غِيَر **** لم يُبكَ ميْت و لم يُفرَح بمولود
و لست بهذا أبرئ الشباب الذي انتكست رجولته و خبت غيرته و فشت فيه جراثيم الدياثة، لكني ألوم المرأة الضحية أكثر لأنها تعين على نفسها، و لأنها نصف المجتمع و المسؤولة عن تربية نصفه الآخر....و لست في حاجة إلى التأكيد أن ليس كل فتيات الجامعة كذلك، لأن فيهن العفيفات المحترمات .... لكنهن للأسف - و حسب ما أشاهد - صرن قليلات ؛وسط ذاك البحر المتلاطم من الأجساد العارية و تلك الجموع من النفوس المريضة.....فتحية لكل طاهرة وسط الانحلال و عفيفة وسط الطيش، و متخلّقة وسط الابتذال، في زمن "التقدم" بالعري و العزة بالإثم.
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.">This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.