الطفل أجمل نغمة في حياتنا ...... أحلى ابتسامة تدخل الفرحة على قلوبنا......أكبر حب في دنيانا ينسينا همومنا و آلامنا.....
و لكن هو أيضا أصعب تحد لنا اليوم ؟ فليس من حقنا أن نأتي المجتمع بأفراد يدمرونه بدل أن يبنوه ؟ فقط لأننا لا نريد أن نعترف بمسؤوليتنا في تربيتهم ؟ و واجبنا في مراجعة أنفسنا حتى نكون آباءا و أمهات صالحين إنني أهمس اليوم في أذن كل جزائري و نحن نحتضن الفاتح من نوفمبر، أعظم حدث في تاريخ الجزائر، صنعه أبناء الجزائر لأسأله: ما الذي تغير اليوم ؟ و ما الذي يجب أن يتغير؟ كيف نربي من يحمل في خلايا جسده موروثات عبد الحميد بن باديس و العربي بن مهيدي و بن بولعيد ، و عميروش ...و..و....؟
ليعود لمجد أجداده... لشخصية آباءه...لعنفوان الحياة فيهم ؟ فما نسلنا بعقيم الجذور .
أين الجزائري ابن الأمس الذي كانت شخصيته بوزن آلات فرنسا و معداتها الثقيلة ؟ الجزائري الذي تحدى ظلم المستدمر و جبروت الطغاة ؟ و خط اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ البشرية.
لنعد قليلا إلى الوراء أين كانت الأسرة الجزائرية تعاني ويلات الإستدمار و تواجه خطر الأوبئة القاتلة و تتخبط في الظروف المعيشية الصعبة، فمعظم الأسر قد يموت لها أكثر مما يعيش من الأطفال و لكن الذين يعيشون يكونون أهلا للحياة يسعدون أسرهم و يشرفون وطنهم، تجد الرجولة تملأ ذكورهم و الأنوثة تفيض من نسائهم، يستطيعان معا تكوين أسرة لا تعرف الطلاق مجموعها يكون مجتمعا آمنا يُعـزفُ فيه على أروع أوتار القيم و الأخلاق، بل هم رجال و نساء استطاعوا أن يخرجوا فرنسا.
إذن فالأسرة الجزائرية بالأمس كانت تنجب عشرة أبناء نصفهم يستقبلون آباءهم على باب الجنة و النصف الآخر يسعدونهم في حياتهم برا بهم و في مجتمعهم صلاحا و بناءا.
أما اليوم في زمن " قلل و دلل " فالأسرة الجزائرية تنجب عددا قليلا من الأطفال
بعضه يدفن حيا في جحيم الطلاق الفعلي أو الصوري ......
و بعضه الآخر في غيابات السجون و الإجرام ..........
و من أفلت من هذا و ذاك فهو يعيش مائعا باردا يسير بخطوات متثاقلة و كأن الحياة قد فرضت عليه فرضا، كثير التأوهات و الملامات...... يعبر عن جيل أناني يأخذ و لا يعطي ، يتكلم و لا يسمع.
يُحاسبُ و يَرفض أن يُحَاسَب....لقد أفقدوا الحياة عبيرها و رونقها .....
فلا رجولة تهزك و لا أنوثة تأسرك و لا مجتمع آمن تستطيع العيش فيه بسلام.
و لكي نكون صادقين مع أنفسنا فالذنب ليس ذنبهم إنه ذنب آبائهم و أمهاتهم؟
كيف ؟ إن الأمر يتلخص في نقطتين :أولاهما القدوة و ثانيهما المعاملة.
أما القدوة فالطفل يتشرب أفكار والديه و أحاسيسهم و تصرفاتهم و انفعالاتهم تماما كما تتشرب الإسفنجة الماء، فهو يرى العالم الخارجي بأعيننا و يفهم الحياة من خلالنا، و الكلام التربوي الموجه له قليل التأثير عليه فهو يتقمص شخصية والديه لا أوامرهم، و نحن حين سعرتنا المدنية الحديثة و بهرتنا بضوضائها و لم نعد نفكر في سواها و لا مواضيع لأحاديثنا غيرها بل و نزن الرجال بالمال و السيارات .....و....و...لينقلب السحر على الساحر و يبدأ تمردهم أول ما يبدأ بنا، فيجب أن نغير أولا قناعاتنا و معاييرنا الاجتماعية و طموحاتنا لنربي أنفسنا فيتربى أبناءنا مصداقا لقوله تعالى:
(لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
أما المعاملة أو التربية فهي تحتاج من الوالدين للكثير من الاطلاع و خاصة في مجالات : العلاقات الزوجية، تربية الطفل و المراهق. فكل شيء قد تغير اليوم : التركيبة الاجتماعية، النمط العمراني، عمل المرأة، المعلوماتية ... هاته الأخيرة التي سرقت منا أولادنا لتعطل نموهم و تحطم قدراتهم و تخنق مواهبهم دون أن نعي خطورة ما يحدث لهم أمام أعيننا.
لقد صار لزاما علينا أن نتحد جميعا لنشر ثقافة نفسية للأسرة و ننقذ هذا الجيل الممزق بين أنياب الحضارة الزائفة و جهل أولياء أمورهم، كل من منبره :
العاملين في الميدان، الأئمة و الدعاة، أساتذة الجامعات ، وسائل الإعلام ..
أما الأولياء فلزاما عليهم أن يسألوا و يبحثوا قبل أن يربوا، فأطفال اليوم يحتاجون لأساليب تربوية علمية تتماشى و هذا العصر و تنقذهم من الضياع كما أنقذهم الطب سابقا من الموت، إنه زمن العلوم الإنسانية و بخاصة علم النفس.