كم هو جدير بالاحترام؛ جيل ألهم شوقي أن يقول:
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
و نحن اليوم إذ نردد مقولة أمير الشعراء، فذلك إيمانا منا؛ بأن الخير يبقى خيرا، و إن تقاعس الناس
عن فعله و الشمس هي الشمس بإشراقتها، و إن عميت بعض الأبصار عن رؤياها.
قم يا متعلما متأدبا متخلقا؛ جئت تسابق الخيرات، و ترنو إلى العلا، شمرت على السواعد، و هجرت التكاسل و التواكل.
حملت راية العلم سباقا إليها. فأنت على درب الأنبياء تسير، و على هديهم تسارع الخطو، و قلبك من شغف بذا الإرث يستطير. سبيلك هو السبيل إلى الجنان؛ تحفك فيه الملائكة، و قد كفت أجنحتها لك توقيرا و إحتراما.
تستغفر لك الخلائق كلها؛ لعظيم نفعك، و كبير فضلك، فأنت قنديلها، بك تستضيء دروبها، فتقيل
منها العثرات، و تصحح الهنات و الزلات.
أطالب العلم؛ قد حزت الفضل كله. فلا النساك طاولوك، و لا أهل الفضول في الخيرات سبقوك. شمعة أنت تذوب و تذوي لتنير لنا الطريق.
رفع المولى من قدرك، و أعلى شأنك، فأوقف خشيته على قلوب أهلك. فقال جل شأنه :
{ الرحمن فاسأل به خبيرا } (الفرقان/59)
قدسي نوراني أثرك في القلوب، و سرك هو سر الخليقة كلها. و لعمري ما جار الزمان على أحد كما
جارت الجهالة عليه . و من هنا قال القائل: { و الجهل يهدم بيوت العز و الشرف }
فانظر معي إلى حال دول عششت الجهالة فيها؛ جهالة فكر، و قول، و عمل .. فأزرت بنفسها
و أضرت، فانتكست وضلت.
و المجد كل المجد، بل العز كل العز؛ لأمم عرفت قدرك، فنافست فيك حتى بلغت الأنجم، و طاولت
الثريا مقاما و أثرا.
قال تعالى: { قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون }(الزمر/9)
فلا و ربي؛ لا يستويان.. و هيهات هيهات أن تدرك المقامات إلا بالعلم و المعرفة.. و أن يحرز الكرم و الشرف إلا بهما. قال الشاعر:
تعلم فليس المرء يولد عالما.. و ليس أخو علم كمن هو جاهل(1)
و قال آخر:
أخو العلم حي خالد بعد موته.. و أوصاله تحت التراب رميم
و ذو الجهل ميت و هو ماش على الثرى.. يعد من الأحياء و هو عديم
بعدهذا كله، أيجوز لنا أن نردد مع القائل:
شوقي يقول و ما درى بمصيبتي " قم للمعلم وفـــــــــــــــــــــه التبجيلا"
أقعد فديتك. هل يكون مبجـــــــلا من كان للنشء الصغار خليلا؟
لو جرب التعليم شوقي ساعـــــة لقضى الحياة شقاوة و خمـــــــــولا
يا من يريد الانتحار وجدتــــــــــــــــــه إن المعلم لا يعيش طويـــــــــــــــــلا(2)
هي حقيقة مرة.. أجل؛ فالمعلم اليوم، يصارع أمواج هموم عاتية.. من انفلات أخلاقي، و تسيب اجتماعي.. و الوضع يكاد يكون كارثيا، إن لم نتداركه، و نحاول لملمة شتاتنا، و إشعار كل الجهات الفاعلة، و المؤسسات الحيوية داخل المجتمع، بالدور الكبير المنوط بأعناقها، و هذا لرأب الصدع
و جبر الكسر و رد الأمور إلى نصابها. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
(1)الإمام الشافعي
(2)الشاعر: إبراهيم طوقان