الليل أتى مسرعا, الساعة في اليد اليسرى تشير إلى الواحدة و دقيقتين, الكهرباء مقطوعة, الغرفة مظلمة, أنين جارتنا العجوز يتسلل من بين الجدران, كتب مبعثرة فوق المكتب, قطعة شوكلاة في جيب المعطف, بطارية الموبايل ضعيفة, ضوء خافت من شاشة اللاب توب, لوحة “الوورد” البيضاء فارغة, يدان باردتان على لوحة المفاتيح, فكرة عائمة أو قل غارقة, كما شئت..
مرّت تسع دقائق لم أكتب فيها حرفا واحدا, أحدق في الشاشة أبحث عن الفكرة التي أريد أن أكتبها, في الحقيقة لم تكن هناك فكرة أصلا و لكني كنت أريد أن أكتب فقط, حسنا, سأحدثكم عن الكتابة…
مرت عشر دقائق هذه المرة و لم أكتب شيئا, يبدو أن الكتابة تشبه فتاة أعرفها..
حسنا (للمرة الثانية) سأحدثكم عن هذه الفتاة, هي في الحقيقة تشبه تشرين أكثر من أي شيء آخر, لا أدري ربما أريدها أن تشبه تشرين لأني أحبه, أو لأني أحبها..
اه تذكرت, الكتابة حب, و الحب يشبه تشرين, و تشرين يشبه هذه الفتاة! هل يمكننا أن نصف فتاة فنقول أنها صعبة كالشعر؟ فاتنة كقصيدة؟ و مشاكسة كقافية؟ و أنيقة كالبحر الوافر؟ و مزاجية كالتفعيلات؟ و خجولة كالبيت الأول من موشحة أندلسية؟
هل جربت يوما أن تقول لأحدهم “أكرهك” و في أعماقك تعني “أحبك جدا”؟ أن تقول لأحدهم “وداعا” و أنت تقصد “سنلتقي قريبا”؟ هل جربت أن تحب شخصا حدّ البكاء فإذا رأيته ابتسمت؟ هل فكرت أن يكون من تحبه هو شخص شاركته فنجان قهوة أو قراءة كتاب أو الإعجاب باقتباس قديم؟ هل فكرت أن تحب من يعلمك الدهشة؟
الفتاة التي أحبها ذكية جدا, لم تخبرني بأنها تحبني و لكنها جعلتني أشعر بذلك, حتى حزنها يحدثني عن ذلك الحب.. أظنها لا تتقن كتابة الحب, لا بالعكس, كلانا يتقن كتابة الحب, الفرق بيننا أنها تكتب للحب أما أنا فأكتب عن الحب.
فكرة الموت ليست سيئة, تبدو الفكرة الأفضل أحيانا, أتعلم يا صديقي؟ بت أفتقد الحرب, ألم تكن تفتقدها أيضا؟ ألم تكن الحرب تعني لك الكثير من الحب؟ ألم نتفق أن نحارب معا؟ لماذا نسيت هذا الجزء من الاتفاق ورحلت؟ أتعلم؟ أنا لست غاضبا منك, أنا فقط حزين لأني لم أعانقك قبل رحيلك, و لم أقبل جبينك يوم استشهادك..
لحظة, ما الذي كتبته في الأعلى؟ كنت أود أن أكتب عن شيء ليس له علاقة ب الشعر أو تشرين أو الحب أو الحرب أو صديقي الشهيد أو الفتاة التي أحبها, نعم؟ هل حقا هناك فتاة أحبها؟ و تحبني أيضا؟
صمت, و تفكير عميق في حل العقدة, العقدة الآن في نهاية هذا النص, كيف أختمه و أنا ما زالت أبحث عن فكرته؟
الحل أن تكون النهاية كالتالي:
كالنهايات التي نتمنى لو أنها لم تأت, كالبدايات التي نتمنى أن تنتهي بسرعة, ككل الأعوام التي مضت و نحن نحلم بأن نصبح كبارا, و الأيام التي قضيناها بحثا عن الحب وهربا من الحرب, كليلة برفقة حبيب رحل, أو ساعة كنا أقرب إلى الله, كالأفلام والكتب و العطور و الأحاديث المملة, ككل شيء ينتهي, ليرحل هذا العام و تنتهي هذه القصيدة!
http://asemalnabeh.com/رسائل-نصوص/عقدة