قد تكون الدّيمقراطية عند الغرب هي التّداول على السّلطة عن طريق الصّندوق الشّفّاف بحقّ، شريطة أن يتعهّد المرشّح للرّئاسيات أو غيرها بأن يخدم مصالح الصّهاينة بشتى الطّرق و الوسائل و في كلّ مكان، و أن يغضّ الطّرف خدمة لها عند جرائمها. و كذلك بالضّغط على العرب الذين استولوا على الحكم عن طريق الصّندوق المحسوم فيه من قبل.
لقد خطّط سلف حكماء بني صهيون ليكونوا هم السّادة و غيرهم العبيد، و ليكونوا هم في القمّة و غيرهم في الحضيض، و ليكونوا هم بني آدم و غيرهم عن الإنسانية بعيد، و هم الرّاكبون و غيرهم هم البغال و الحمير.
و منذ تلك الفترة و الصّهاينة يعلّمون أبناءهم هذه الأحكام بإتقان ليسودوا، و أخذوا على أنفسهم عهدا أن يعمل جيل الحاضر لجيل المستقبل، و يحضّر له للوصول إلى استحمار العالم.
لكن طال عليهم الأمد، و صار تحقيق هذه الأهداف كلّها مستبعدا جدّا ما دام المسلمون متمسّكين بدينهم. و للوصول إلى مبتغاهم خطّطوا لتشتيت هذه الأمّة تدريجيا بمساعدة بني جلدتنا و مباركته.
كانت قلوب المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها مع فلسطين فصارت مشتّتة مع تونس و ليبيا و مصر و اليمن و سوريا و العراق و لبنان و البورما و أفغانستان… يضربون رقاب بعضهم البعض بتهمة الإرهاب.
نكاد نضيع لو لا ديننا الحنيف الذي فرض علينا الالتزام بالأخوّة حيثما كانت لقوله تعالى: “إنّما المؤمنون إخوة.” و قوله صلّى الله عليه و سلّم في أكثر من حديث عن الأخوّة بين المسلمين كلّهم بدون استثناء. و بدون حدود جغرافية، و بعدم التّشميت و التّشفي فيما بيننا من أجل عيون العدو.
كلّ ما يحدث في العالم الإسلامي يستقبل شبابنا الخبر بحسرة باردة لا تدعو إلى التّفاؤل و النّهضة بهمّة عالية؛ فهم يعلمون كلّ ما يحدث لفريق الرّيال و أين يقع، و لا يعرف ما يحدث في مدينة بريّان و ما يجري فيها و ما حولها، بل لا يعرف أين تقع هذه المدينة أصلا.
و الذي يحزّ في النّفس و يقلقها أنّك تجد عائلات تؤيّد فريق البارصا و الأخرى تؤيّد فريق الرّيال مدريد، و لحدّ هنا الأمر عادي من باب ممارسة الرّياضة و التّشجيع لهذا النّوع من الرّياضة، لكنّ الأمر تعدّى التّشجيع و التّنافس و الرّوح الرّياضية إلى الحقد، كمن يعادي من لا يؤيّد الفريق الذي لا يؤيّده، بدءا بالشّتم و الاستهزاء فالمقاطعة، ثمّ التّنابز بالألقاب.
حتّى جعلوا من أمثال هؤلاء القوم لا يغضبون غضبة لله تعالى عمّا يحدث في فلسطين و ما يحدث في غزّة من ظلم صهيوني و سكوت عربي و سقوط من الشّهداء في العالم الإسلامي…
و اتّسعت رقعت الظّلم و الحقد في صفوف المسلمين كلّ المسلمين بدون استثناء، كلّ حسب موقعه و رتبته في وظيفته إلى درجة التّشفّي في بعضنا، و القبول بالانقلابات و الرّضى بها خدمة للصّهاينة الأنجاس من حيث لا ندري. و الصّهاينة اليوم مرتاحون تماما بعدما اهتزّ عرشهم و ارتعدت فرائصم يوم تحرّك الشّارع العربي.
و من تخطيطاتهم في الأوّل راهنوا على تحديد النّسل العربي الإسلامي على الخصوص؛ لكن التّحديد عند المسلمين محرّم، لم يجد إقبالا عند عامّة المسلمين لقوله تعالى: “و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم و إيّاهم.” فلجؤوا إلى الخطّة الموالية و هي تنظيم النّسل عند المسلمين حتّى لا يكثر نسلهم و يقدرون على التّحكّم فيه مستقبلا و من بعيد، كالسّروال “المرخوف” و تسريحة الشّعر الغريبة و الأقراط في الأذن…
و لهذه الخطّة كان القبول و الرّفض في صفوف المسلمين، و بعد عقود ظهر ارتفاع كبير في عدد النّمو البشري. ففي الجزائر مثلا كان عدد السّكّان بعد الاستقلال اثني عشر مليون نسمة، و في الثّمانينيات صارت ستّة و عشرين مليون نسمة، و في عام 2013 أصبحت خمسة و ثلاثين مليون نسمة. أمّا في جمهورية مصر العربية فعدد سكّانها تجاوز ثمانين مليون نسمة. و بالمختصر المفيد فعدد الوفيات في الدّول العربية بالذّات قليل بالنّسبة لعدد الولادات.
و ممّا جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه و سلّم داعيا الشّباب للزّواج و إكثار النّسل في قوله عليه السّلام: “تناكحوا تناسلوا فإنّي مباه بكم الأمم يوم القيامة.” و التّباهي لا يكون إلاّ بالجودة في الأخلاق و العلم؛ و هي دعوة للإنجاب و تنظيم النّسل لمواجهة العدوّ بسلاح العلم و العدد و العدّة.
و هناك من العائلات من وقعوا في فخّ تحديد النّسل فكان حديث رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَ ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى قَالَ فَمَن؟ْ”
و عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و سلَّم: “يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فقال قائل: و مِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟! قال: “بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَ لَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَ لَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَ لَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ.” فقال قائل: يا رسول الله! و ما الوَهَن؟ قال: “حُبُّ الدُّنيَا وَ كَرَاهِيَةُ المَوتِ.”
أخرجه أبو داود وأحمد بإسناد جيّد.
فكيف بشرذمة من الصّهاينة الحاقدة على الإسلام و المسلمين أن تنجح في تخطيطها لتتغلّب نسبيا على مليار و نصف مليار من المسلمين، و تُعلي صوتها على صوت الحقّ، و تجعل من المسلمين فرقا و طوائف و جماعات و أحزابا تتناحر فيما بينها؟
لأنّنا تخلّينا عن الإسلام، فتخلّى الله تعالى عنّا و تركنا لشرّ أنفسنا و أعدى أعدائنا و نحن عصب .
تلمسان: 05 ربيع الثاني 1435 هجرية، الموافق لـ: 05 فبراير 2014.