أفتح المذياع في الساعة الأولى من النهار...
أقلِّب صفحات الجرائد "الوطنية" بجميع ألوانها و أطيافها...
أتابِع الأخبار ساعة بساعة على صفحات القنوات، و بين ثنايا مواقع الأنترنت...
لا همَّ، و لا شُغل، و لا حديث، و لا جعجعة... إلاَّ عن "قانون المالية"، و عن "إجراءات التقشُّف"، و عن "سِعر البترول"... حتى لكأنَّ الساعة الكبرى قامت قيامتُها، أو لكأنَّ المسيح الدجَّال قد نزل بيننا...
بل، و يحذِّرنا بعض المغرضين من غدٍ أسودَ حالك، تنتهي فيه الأرزاق، و تطوى الأوراق، و يتشرَّد الناس في كلِّ مكان...
فيحلُّ في ربوع الجزائر "البوم"، و "الغراب" ضيفا ثقيلا...
و الذي يحزنني، و يمزق قلبي كمدا و غيضا، أنَّ "اسم الله تعالى" يغيب من برنامج المشرِّع و المشرَّع له، و أنَّ "التوكُّل على الله" بات باللغة الدارجة "خُضرَة فوق امْعَاش"، أي بات "زيادة لا لزوم إليه"، فلا حاجة إلى "عونه" سبحانه... و إنما الحاجة إلى "البترول"، و"القانون"، و"الدولار"، و"التوقيع"، و"الحزب"... و كلِّ الأسباب المباشرة؛ التي يعلم الله أننا لم نر منها، منذ الاستقلال إلى يوم الناس هذا، شيئا معتبرا "يذكَر فيشُكر"...
و إنه لولا عناية الله، و رعاية الله، و حفظ الله، و معية الله... لخسف بنا...
يروي حبيبي رسول الله عليه السلام، عن ربه الكريم تعالى شأنه قوله الصادق: "لولا مشايخ ركع، و صبية رضع، و بهائم رتع، لنسفت الأرض نسفا"...
"و لكنَّ الله سلَّم"، "و لكنَّ أكثر الناس لا يشكرون"...
أنا لا أقلِّل من شأن الميزانية و قانونها، و لكن أستنكر نسجها بخيوط واهية ضعيفة، ليس لحبل الله المتين فيها حظ؛ خيوط من "الحساب"، و"التوقع"، و"الادعاء"، و"المغالطة"، و"الحيلة"، و"الحظوة"، و"التحزب"...
و ما من شكٍّ أنَّ جميع الوسائل و الجهود ستكون متينة لو أنها استمدَّت قوتها من "التقوى"، و من "خشية الله"، و من "الخوف من الله"... ذلك أنها:
ستصبغ بصبغة "إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين"،
و ستحاك على وقع "لا نسألك رزقا، نحن نرزقك، و العاقبة للتقوى"،
و ستفتل بفتيل "و من يتق الله يجعل له مخرجا"،
و ستنسج بنسيجٍ جميلٍ فتانٍ من معنى "لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار"...
أمَّا أن يتواطأ السياسي مع الإعلاميِّ في "ترهيب الناس" صباح مساء، و أن يُفرغ القانون من حساب "الإيمان و التوحيد و الثقة في الله"... فلا، ثم لا...
ذلك أنَّ المقنِّن و المقنَّن له "مرزوق" من الله، و لو شاء لقبض رزقه عليهم جميعا؛ و لكن عهدُنا به سبحانه أنه لا ينظر إلاَّ إلى قلوب المحبين، المستسلمين، المتوكلين، الشاكرين، المخبتين، المحسنين... لا إلى أوجه المعتبَرين، المتجادلين، المتناحرين...
هو سبحانه يرزقنا، و لو شكرناه لزادنا "لئن شكرتم لأزيدنكم"؛ لكن لو كفرنا و أعرضنا عن شكره فسيحرمنا لا محالة "و لئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد"...
و لو أنَّ البترول صار ماء، و الدولار تحول إلى ورق، و لم يكن في كيس "المالية" سوى بضعة دنانير... لو أنَّ الأمر كان كذلك؛ فإنَّ القيامة لن تقوم لذلك، و إنَّ الأمر لن يفلت من عين الله، و لا من قدرته، و لا من تدبيره... و لذا،
فالمطلوب في مثل هذه الحال هو أن "نصبر"، و"نشكر"، و"نتعاون"، و"نسارع إلى الدعاء"، و"نجدَّ في العمل"، و"نزرع ثم نحصد"، و"نسعى في الأرض" ابتغاء ما عند الله، بحزم و عزم، لا يشوبه رياء و لا كبر و لا غرور...
اليومَ، في تقديري، لا يخاف إلاَّ مَن ألِف العيش بروح "الطفيليات" و"الأميبيا"؛ و لكن من اعتاد الكدح، و العمل الصالح، و لم يعوِّد نفسه الإسراف و التبذير، و لا السطو على أموال الناس بغير حقٍّ، و لا اجتراح السيئات و الموبقات...
نعَم؛ من كان أمره كذلك: "فلا خوف عليهم، و لا هم يحزنون"... بل عليهم أن يستبشروا خيرا، بعودة المياه إلى مجاريها، و الأمور إلى نصابها، و الميزان إلى قسطه و عدله...
هذه دعوة إلى الشكر، و التوكُّل، و العودة إلى الله، و الاجتهاد في كلِّ ميادين الحياة...
فهل من مستجيب؟ و هل تبلغ آذان المشرِّعين، و الكتَّاب الصحفيين...؟
لا أعرف، و لكني متيقن أنها ستنفع المؤمنين "و ذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"...
و أنا على يقين أنَّ الله الكريم يسمعها "و هو السميع العليم"...
اللهم فاشهد...